وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)

ما الذي يدفع المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان إلى التقارب؟

الاستقرار الإقليمي، والاحتكاك بين السعودية والإمارات والحاجة المتبادلة للتنمية الاقتصادية، كلها عوامل تساهم في التقارب السعودي العماني.

بقلم: جورجيوكافيرو وكريستيان كوتسأولريشسين

(موقع “ريسبونسيبول ستيت كرافت-Responsible Statecraft” الأمريكي ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

شهد النصف الأول من عام 2021 عمل قيادة السعودية على تحسين العلاقات مع عدة دول في الشرق الأوسط, وذلك لأسباب جيوسياسية وأمنية واقتصادية مختلفة.

اختار السعوديون إشراك الإيرانيين في محادثات بغداد، ومتابعة التصالح مع قطر، وإطفاء غليان العلاقات الثنائية مع تركيا والتواصل بحذر مع الحكومة السورية.

وبالنظر إلى أن هذه الدول التي كانت حتى وقت قريب على علاقة سيئة مع الرياض، فمن الواضح أن السياسة الخارجية السعودية تتحول في اتجاه أكثر سلاسة.

يعكس هذا الواقع الجديد للبيئة الاقتصادية المتزايدة الصعوبات التي خلقتها جائحة فيروس كورونا، والتهديد الحوثي المتزايد للأمن السعودي، وانتهاء فترة رئاسة ترامب، الأمر الذي يترك الرياض دون رئيس أمريكي يتواجد لدعم السلوك السعودي دون قيد أو شرط.

في هذا السياق، تتخذ السعودية خطوات لتحسين علاقاتها مع عمان المجاورة – وهي دولة زميلة في مجلس التعاون الخليجي- كانت علاقتها بالرياض أيضا في السنوات الأخيرة متوترة.

كانت التوترات التي تراكمت بين المملكة وسلطنة عمان تتعلق بعلاقة العمل بين مسقط وإيران، والسلوك السعودي في أجزاء من اليمن (بشكل رئيسي المهرة، الواقعة على طول الحدود اليمنية العمانية)، والمخاوف العمانية في أواخر عهد السلطان قابوس من أن الرياض ستتدخل في عملية الخلافة في السلطنة، وغيرها من القضايا.

كانت الزيارة التي قام بها السلطان العماني الجديد هيثم بن طارق إلى المملكة هذا الشهر مهمة للعلاقة الثنائية وستعمل على تعزيز العلاقات الجيدة بين كلا النظامين الملكيين في حقبة ما بعد السلطان قابوس.

في 11 يوليو، وصل رئيس الدولة العماني إلى نيوم- مشروع “المدينة الضخمة” على ساحل البحر الأحمر في السعودية، في أول رحلة للسلطان هيثم خارج السلطنة منذ توليه السلطة في يناير 2020.

أثناء وجود الزعيم العماني في السعودية، وقع البلدان العديد من اتفاقيات النقل والثقافة والتجارة.

وخلال زيارته، فتحت المملكة والسلطنة طريقاً برياً بطول 500 ميل يربط منطقة عبري في عمان والأحساء في السعودية.

يتيح هذا الطريق الصحراوي السريع اتصالاً أكبر بين البلدين, ويمكن أن يؤدي إلى تقدم مستويات أعلى من التجارة السعودية العمانية والتي لن تعتمد بعد الآن على طريق أطول بكثير عبر الإمارات.

بالنسبة للمملكة، يجب النظر إلى العلاقات الأفضل مع عُمان في سياق الاحتكاك المتزايد في الشراكة السعودية الإماراتية التي حظيت باهتمام كبير في وسائل الإعلام العالمية بعد مواجهة الرياض وأوبك في وقت سابق من الشهر المنصرم.

تظل العديد من الأسئلة حول العلاقة السعودية الإماراتية مفتوحة, وبالتالي، ترى الرياض أن العلاقات المحسّنة مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى- لاسيما عُمان وقطر- تبشر بالخير للمصالح السعودية حيث تهدأ الشراكة مع الإمارات.

حرب اليمن

إن الصراع في اليمن، الذي تريد السعودية بشدة أن تهدأ منه، هو مفتاح رغبة الرياض في تعزيز العلاقات مع مسقط والتغلب على الاحتكاك الذي حدث في السنوات السابقة.

ناقش السلطان هيثم والقيادة السعودية الحرب في اليمن خلال زيارته, وبالإضافة إلى ذلك، في 9 يونيو، زار كبير الدبلوماسيين في مسقط “بدر بن حمد البوسعيدي” العاصمة السعودية حيث ناقش هو ونظيره السعودي الشأن اليمني وقضايا إقليمية أخرى.

وبعد أسبوع استأنف وزيرا الخارجية مناقشتهما على هامش اجتماع المجلس الوزاري للدورة 148 لمجلس التعاون.

مع استمرار الحوثيين في استهداف السعودية بأسلحة متطورة تقنياً بشكل متزايد والتي تشكل تهديداً خطيراً لأمن المملكة واقتصادها، ترى الرياض أن مسقط جسر دبلوماسي مفيد للحوثيين.

بينما في وقت سابق من هذا الصراع، كان حياد عمان في اليمن مصدر إزعاج لها وللدول العربية الأخرى المشاركة في التحالف المناهض للحوثيين, حيث ترى الرياض الآن أن طريق السلام في اليمن يمر عبر عمان.

على الرغم من أن مسقط لا تستطيع حل حرب اليمن بسرعة أو بطريقة سحرية بمفردها، فقد أثبتت السلطنة أنها الدولة الخليجية الوحيدة القادرة على لعب دور جسر مثمر بين الحوثيين وإيران من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي والدول الغربية من جهة أخرى.

من المؤكد أن العمانيين لا يتصرفون كمحاورين بين الرياض والحوثيين لسبب وحيد هو مساعدة السعودية على الخروج من هذا المستنقع الدموي بقليل من مشاعر الأمن والكرامة.

يشكل استمرار الأزمة اليمنية أخطر تهديد للأمن القومي العماني أيضاً، لاسيما بالنظر إلى الوضع المعقد الذي يتجلى منذ سنوات في المهرة.

لذلك، فإن التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن يمكن أن تؤدي إلى تفاهم عماني سعودي جديد تجاه شرق اليمن ويبشر بالخير لمصالح مسقط في رؤية انتهاء الصراعات المتعددة والمتقاطعة في اليمن.

على حد تعبير مارك فاليري من جامعة إكستر، “السياسة الخارجية العمانية في الأساس في خدمة الاستقرار السياسي العماني، والاستقرار السياسي العماني يحتاج إلى الاستقرار الإقليمي”.

موقف عمان الاقتصادي الصعب

كما تساهم التحديات الاقتصادية التي تواجه عمان في ترسيخ علاقة أفضل بين مسقط والرياض.

يعاني اقتصاد السلطنة من الضربة المزدوجة لتداعيات ازمة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، لذا تعتبر انها في مأزق خطير.

عمان لديها نسبة عالية من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والذي قفز من 15 % في عام 2014 إلى 80 % في عام 2020.

وقد أدرك المسؤولون في مسقط منذ فترة طويلة أن بطالة الشباب هي أخطر تحد داخلي طويل الأجل للبلد.

من المفهوم أن العديد من الشباب العماني متشائمون بشأن مستقبلهم الاقتصادي، كما أبرزته الاحتجاجات في كلا من المدن العمانية، عبري ونزوى وصلالة وصحار وصور والرستاق في مايو, على خلفية تطبيق ضريبة القيمة المضافة (عامل رئيسي وراء الاحتجاجات)، قد يتعرض العقد الاجتماعي للبلد لضغوط في الأشهر والسنوات المقبلة.

إن اللجوء إلى أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي للحصول على مساعدات مالية واستثمارات أكبر يمكن أن يساعد عمان في مواجهة تحدياتها الاقتصادية.

الرياض من جانبها لا تريد أن ترى عدم استقرار في عمان أو أي دولة خليجية أخرى, وبالتالي، فإن للسعوديين أسبابهم الخاصة لمساعدة السلطنة وسط هذه الفترة الاقتصادية الصعبة.

الطريق أمامنا

على الرغم من أن المملكة وسلطنة عمان نوعان مختلفان للغاية من الأنظمة الملكية العربية، إلا أن البلدين يواجهان العديد من نفس المشاكل من حيث تحقيق التنويع الاقتصادي قبل نفاد النفط.

ومع الاقتصادات التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الموارد الهيدروكربونية، تدرك القيادة في كل من الرياض ومسقط كيف أن بناء قطاعات خاصة نشطة واقتصادات قائمة على المعرفة أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي.

ونظراً لأن العمانيين يؤمنون منذ فترة طويلة بوجود دول مجلس التعاون الخليجي القوية القادرة على تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، يرحب المسؤولون في مسقط بالفرص المتاحة لجذب المزيد من الاستثمارات من السعودية وتعزيز التجارة الثنائية.

سيساعد التكامل الاقتصادي الأكبر مع المملكة وسلطنة عمان على الاستفادة من موقعها الجغرافي في الركن الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية عندما يتعلق الأمر بتنمية قطاعات الخدمات اللوجستية والموانئ والبنية التحتية في السلطنة في وقت تحتاج فيه عمان الاقتصادية بشدة إلى التخفيف.

*  المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع