وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)

بعد أن دعمته سياسياً بـ10 فيتو.. هل تكون الصين بوابة الإنقاذ الاقتصادي لنظام الأسد؟5

السياسية:

حضر وزير خارجية الصين مراسم تنصيب بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة، ورحب بانضمام سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق، فهل تستطيع بكين إنقاذ اقتصاد النظام السوري المنهار بعد دعمه سياسياً؟

كان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد أقام “انتخابات” فاز بها بنسبة 95.1% أواخر مايو/أيار الماضي مما يعني تمديد حكمه على بلد دمرته الحرب، بينما قال المعارضون والمجتمع الدولي -باستثناء روسيا- إن تلك الانتخابات لم تكن نزيهة بل أقرب “للمسرحية”.

نظام بشار الأسد أراد من تلك الانتخابات أن يظهر سوريا كما لو أنها عادت للحياة الطبيعية رغم الحرب المستمرة منذ عقد من الزمان والتي حصدت أرواح مئات الآلاف وتسببت في نزوح 11 مليوناً، أي حوالي نصف سكان البلاد، عن ديارهم.

الصين الداعم السياسي الأبرز لنظام الأسد

وخلال زيارته إلى سوريا في يوليو/تموز الماضي، أشاد وانغ يي وزير الخارجية الصيني بإعادة انتخاب بشار الأسد بنسبة 95.1%، معتبراً “الانتخابات” دليلاً على قوة البلاد وتماسكها -على الرغم من واقع أن هذه النتيجة مرفوضة على نطاق واسع من الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وقبل كل ذلك وأهم أنها مرفوضة من قطاع كبير من الشعب السوري ومعارضي النظام.

وعلى الرغم من أن بكين لم تنشر قوات داعمة للنظام في سوريا، مثل روسيا وإيران، فإنها كانت مدافعاً قوياً عن الأسد على الساحة الدولية، وندَّدت بالضربات الجوية الغربية ودافعت عن دمشق في الأمم المتحدة. فمن بين 16 مرة استخدمت فيها الصين حقَ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، كانت 10 مرات منها لحماية بشار الأسد ونظامه.

وتناول موقع Middle East Eye البريطاني الموقف الصيني من النظام السوري في تقرير بعنوان “هل تنقذ الصين الاقتصادَ السوري؟”، رصد ما يمكن أن تقدمه الصين لنظام الأسد وما يعنيه ذلك لإعادة الإعمار في سوريا.

ومن جانبها، رحبت الحكومة السورية بزيارة وانغ، التي تزامنت مع المراسم التي عقدها رئيس النظام السوري بشار الأسد لحلف اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة، وفسَّرت دمشق الزيارة على أنها علامة بارزة على دعم بكين للنظام.

ووجَّه وانغ يي دعوةً إلى سوريا للانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وقال: “نرحب بسوريا لتصبح شريكاً جديداً في مبادرة الحزام والطريق”، مضيفاً: “الصين تدعم سوريا في رفضها للعقوبات أحادية الجانب وفي العمل على تخفيف المعاناة الإنسانية”.

كان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، قد أطلق مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، وهي مبادرة تنمية واستثمار تبلغ تكلفة مشروعاتها عدة تريليونات من الدولارات وتشمل مساعدات صينية لتمويل طرق برية وخطوط سكك حديدية ومسارات بحرية من وإلى أكثر من 70 دولة.

طموحات نظام الأسد الاقتصادية

تأمل حكومة بشار الأسد، مثل حال رجال أعمال كثر ومنهم اللبناني محمد قبلان، في أن يأتي الدعم السياسي الذي تقدمه بكين باستثمارات مالية تساعد سوريا على الانتعاش مع انتهاء الصراع المدمر الذي دام عشر سنوات في معظم أنحاء البلاد.

فعندما سمع رجل الأعمال محمد قبلان أن وانغ يي سيزور سوريا الشهر الماضي، قرر السفر في الرحلة التي تستغرق ساعتين من بيروت إلى دمشق. وقال قبلان، الذي يعمل مستشاراً للشركات الصينية التي تتطلع إلى العمل في سوريا، لموقع Middle East Eye: “كانت الزيارة مهمة، وأردت أن أكون هناك للحصول على المعلومات”.

وبحسب ما ورد، قال رئيس النظام السوري لوزير الخارجية الصيني: إن “سوريا ترغب في الانضمام إلى مبادرة الحزام والطرق وتعزيز التعاون مع الصين في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة والتعليم”، مضيفاً أن دمشق تتبنى سياسةً “تتوجه بأنظارها نحو الشرق”.

لكن تشير بيانات البنك الدولي إلى أن الاقتصاد السوري يشهد حالة دمار أشد وطأة في البلدات والمدن التي تعرضت لقصف قوات النظام، وأن الاقتصاد انكمش إجمالاً بأكثر من 60% في السنوات التي أعقبت قمع النظام للثورة السورية.

ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية سوءاً على أثر العقوبات الأمريكية والانهيار المالي في لبنان المجاور، حاول الأسد مراراً وتكراراً استقطاب الاستثمارات الصينية لسوريا ما بعد الحرب.

معلقاً على ذلك، قال كرم شعَّار، رئيس مركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC)، وهي مؤسسة بحثية سورية مقرها تركيا، إنه “من الناحية الاقتصادية، لم تكابد الحكومة السورية يوماً معاناة مثل التي تعانيها اليوم”، وأضاف: “إذا أرادت الصين، فيمكنها إنقاذ النظام السوري”.

ماذا سيعود على الصين إذا؟

وفي محاولة لتفسير الموقف الصيني، قالت ناتاشا هول، الباحثة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لموقع MEE: “الصين ترى في بشار الأسد الشخصَ الذي سيحكم سوريا في المستقبل، والنظام في أمَسّ الحاجة إلى هذا النوع من الدعم الدبلوماسي”.

وأوضحت إليانا إبراهيم، وهي مواطنة صينية ورئيسة الجمعية الصينية العربية لتعزيز التبادل الثقافي والتجاري، من بيروت، أنها تتفق مع الدعم السياسي الذي تقدمه بكين لبشار الأسد، لكنها شكَّكت في الأساس الذي يُمكن أن تُبنى عليه علاقات اقتصادية أعمق بين البلدين.

يُشار إلى أن التقديرات المتوقعة لتكلفة إعادة إعمار سوريا تتراوح ما بين 250 و400 مليار دولار. وهو مبلغ هائل لدولة كانت ميزانيتها الإجمالية لعام 2018 تبلغ بالكاد 9 مليارات دولار وهي دولة معزولة حتى الآن عن النظام المالي العالمي.

وتساءلت إليانا: “أنا أسأل من أين سيأتي التمويل؟ ما العائد على الصين ومن أين ستأتي الأرباح؟ هناك شرطان للعمل مع الصين: سياسياً، أن تكون صديقاً للصين، واقتصادياً، أن يستفيد كلا الطرفين”.

من جهة أخرى، وفي حين أن بعض دول الخليج مثل الإمارات والسعودية بدأت في تحسين علاقاتها مع النظام السوري، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كان بإمكانها تجاوز عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المفروضة على سوريا.

على صعيد آخر، ومنذ استعادة النظام السوري لما يقرب من 70 % من البلاد، عملت حكومة الأسد على إبراز المزايا التي سيحصل عليها الحلفاء، مثل الصين، إذا شاركوا في إعادة بناء المناطق التي دمَّرها القصف. وقال شعَّار: “تعتقد الحكومة السورية حقاً أنها تستطيع الحصول على مكاسب ما من الصينيين”.

وفي عام 2018، قال الرئيس الصيني إن بلاده ستمنح سوريا ملايين الدولارات في هيئة مساعدات وأموال مخصصة لإعادة الإعمار. وقبل عام من ذلك، وعدت بكين باستثمار ملياري دولار في المجمعات الصناعية في جميع أنحاء البلاد.

هؤلاء هم المستفيدون على الأرجح

في المقابل، تقول إليانا إبراهيم، من الجمعية الصينية العربية، إن الدعم المالي الموعود لم يُترجم إلى واقع بعد، و”حتى الآن لا أرى أي شركات صينية مملوكة للدولة تستثمر في سوريا”.

مما لا شك فيه أن الحضور الاقتصادي للصين في المنطقة ما ينفك يتزايد. ففي عام 2016، أصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومع ذلك فإن اهتمامها يتركز إلى حدٍّ كبير على دول الخليج الغنية بالنفط والدول ذات الاستقرار النسبي، مثل مصر والجزائر.

ويوضح قبلان أن الوضع الأمني في سوريا ليس هو العائق أمام الشركات الصينية، بل الأزمة الاقتصادية والعقوبات الغربية. وأضاف: “الصينيون لا يريدون مشكلات مع الأمريكيين”.

شركات الأمن الخاص في سوريا

مع ذلك، وبينما فضلت الشركات الصينية الكبيرة الانتظارَ والبقاء على الهامش، ظهرت شركات خاصة أصغر تبحث عن قطاعات متخصصة حيث يمكنها تحقيق أرباح من الاقتصاد السوري الذي مزقته الحرب.

ففي معرض حديثه عن رواد الأعمال الذين انجذبوا إلى سوريا في السنوات التالية للأزمة، أشار شون تاو، وهو متعاقد أمني صيني عمل في سوريا حتى عام 2018، إلى أن “هؤلاء الرجال يعتبرون أنفسهم قراصنة”. وأضاف: “كثير من رجال الأعمال الصينيين يتمتعون بروح المغامرة. يقولون لأنفسهم، دعنا فقط نذهب إلى سوريا، فنحن نريد كسب المال. ومع أن أغلبهم يخسرون أموالهم، فإن بعضهم يربح”.

يشير قبلان إلى أن الوضع الاقتصادي جعل الأمور صعبة، لكن الشركات الصينية مبدعة، على حد تعبيره. فعلى سبيل المثال، تعاني سوريا نقصاً حاداً في إمدادات النفط، فكانت النتيجة أن نمت صناعة مربحة حول استيراد الألواح الشمسية من الصين لمشروعات يموِّلها مستثمرون سوريون.

لكن في ظل أن 80% من السوريين يعيشون في فقر وأنه لا توجد أمارة على تخفيف قريب للعقوبات الغربية، فقد تقتصر الأنشطة الاقتصادية للصين على المشروعات الصغيرة في المستقبل القريب.

مع ذلك، تقول ناتاشا هول: “نعم، إنها ليست أماكن جذابة للمستثمرين في الوقت الحالي، لكنني أعتقد أن الصين تنظر بعيداً في الطرق التي تسلكها وتميل إلى المنحى الاستراتيجي في الخطط التي تضعها”.

عربي بوست