وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)

لماذا يصعب على روسيا أن تكون قوة عظمى في مجال حاملات الطائرات؟

السياسية:

تبدو حاملة الطائرات الروسية الحالية خطراً على طياريها وطاقمها أكثر من أعدائها، ولكن امتلاك  حاملة طائرات يمثل أهمية كبيرة لترويج الهيبة الروسية، ولكن لماذا يبدو إيجاد بديل لها أمراً صعباً؟ 

عانى الاتحاد السوفييتي، الذي هو تاريخياً قوة برية، طوال معظم تاريخه مع فكرة إيجاد ذراع طيران بحرية كبيرة له، واستقر في نهاية المطاف على سلسلة من حاملات الطائرات الهجينة. وماتت الخطط الكبرى للحصول على مزيد من السفن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، لكنَّ روسيا ورثت حاملة طائرات كبرى في نهاية الحرب الباردة، ما تزال في الخدمة حتى اليوم، حسبما  ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.

ومع أنَّ الكثير من المشكلات التي عصفت بمشروعات الطيران البحري للاتحاد السوفييتي ما تزال موجودة حتى اليوم، تمتلك البحرية الروسية واحدة من أنشط حاملات الطائرات في العالم.

تاريخ الطيران البحري الروسي

بذل الاتحاد السوفييتي جهوداً عدة لتطوير حاملات طائرات في بواكير تاريخه، لكنَّ الافتقار للموارد، جنباً إلى جنب مع واقع الجغرافيا الذي أبرز أهمية القوة البرية، جعل الاستثمار الجاد في ذلك مستحيلاً. 

كان أول نجاح للطيران البحري خلال الحرب الباردة هو “موسكو” و”لينينغراد”، وهما حاملتا مروحيات صُمِّمتا بالأساس لأغراض الحرب المضادة للغواصات. كانت هاتان السفينتان اللتان تزنان 17 ألف طن بإمكانهما الإبحار بسرعة نحو 30 عقدة وحمل 18 مروحية لكل منهما. 

خَلَفَ طراز “كييف” حاملتا المروحيات من طراز موسكو، وهو طراز أقرب كثيراً إلى حاملات الطائرات الحقيقية. كانت كل واحدة من حاملات الطائرات الأربعة من طراز كييف تزن 45 ألف طن، وكان بإمكانها الإبحار بسرعة 32 عقدة وحمل مزيج من نحو 30 مروحية ومقاتلة عمودية الإقلاع والهبوط من طراز Yak-38.

خرجت كل هذه السفن من الخدمة في نهاية الحرب الباردة، فجرى تخريد حاملتي الطائرات من طراز موسكو إلى جانب واحدة من طراز كييف، وانتهى المطاف باثنتين من حاملات كييف كمتحفين في الصين، وأُعيد ترميم الأخيرة وبيعها للهند تحت اسم “آي إن إس فيكراماديتيا”. 

وأنشأ الاتحاد السوفييتي في الثمانينيات أول حاملتي طائرات حقيقيتين، ولو أنَّ واحدة فقط اكتملت قبل انهيار الاتحاد.

أعطال مستمرة في حاملة الطائرات الروسية الوحيدة 

تُعَد حاملة الطائرات الروسية الوحيدة في الوقت الحالي هي حاملة “أدميرال كوزنتسوف” كثيرة المشكلات. 

تزن حاملة كوزنتسوف نحو 60 ألف طن، وبإمكانها نظرياً الإبحار بسرعة 30 عقدة وحمل مزيج من 40 مروحية وطائرة مقاتلة تقريباً. بدأ بناء كوزنتسوف في 1990، وظلت حاملة أخرى شقيقة لها هيكلاً غير مكتمل لسنوات عديدة حتى اشترتها الصين وأنهت بناءها أخيراً لتصبح حاملة الطائرات “لياونينغ”. 

تُشغِّل كوزنتسوف إلى جانب المروحيات القاذفتين المقاتلتين MiG-29K وSu-33. وكما هو الحال بالنسبة للحاملات الروسية السابقة، تملك كوزنتسوف تسليحاً صاروخياً أثقل من معظم السفن الغربية.

لكن لسوء الحظ، جعلت مشكلات كوزنتسوف أيضاً من الصعب على طياري البحرية الروسية الحفاظ على تمرسهم ونجاعتهم. إذ عانت الحاملة من العديد من التعطلات على مدار خدمتها، بما في ذلك مشكلات كبيرة في محركاتها وهبوط الطائرات. 

جاء الكثير من هذه المشكلات نتيجة للتراجع الكبير في تمويلات الصيانة عند نهاية الحرب الباردة، لكنَّ بعضها أيضاً كانت نتيجة حتمية لعدم الخبرة في طراز الحاملة. 

كيف كان أداء الحاملة خلال حرب سوريا؟

شاركت الأدميرال كوزنتسوف في العديد من الجولات، لكنَّ أبرزها كانت في عام 2016 قبالة سواحل سوريا. 

فبعد رحلة رُوِّج لها كثيراً إلى البحر المتوسط، شنَّت كوزنتسوف عمليات قتالية لشهرين. كانت للعمليات تأثير دعائي أكثر منه تأثيراً عسكرياً حقيقياً، وقد فقدت كوزنتسوف اثنتين من طائراتها بسبب الحوادث. 

والحاملة حالياً تخضع للصيانة، حسب تقرير مجلة The National Interest.

حاولت روسيا شراء حاملتين هجوميتين فرنسيتين، لكنَّ غزو وضم شبه جزيرة القرم أجبرا فرنسا على إلغاء الصفقة. وكان من شأن الحاملتين منح البحرية الروسية الخبرة المتعلقة بالسفن الكبيرة نسبياً المتقدمة تكنولوجياً. وبالفعل، كان جزء من الصفقة يتضمن السماح لروسيا ببناء حاملتين من طراز “ميسترال” بالمواصفات الفرنسية في أحواض سفنها، وهو ما كان من شأنه منح دفعة كبيرة لصناعة السفن الروسية.

هدف حاملات الطائرات في العهد السوفييتي كان استراتيجياً

تتمتع روسيا بجغرافيا بحرية فريدة، جعلت الأساطيل الأربعة تعمل من أربعة سواحل لا يمكنها عملياً تقديم الدعم المتبادل لبعضها. 

كانت الحاملات خلال الحقبة السوفييتية تدعم أسطول غواصات الصواريخ الباليستية النووية، مُقدِّمةً حماية جوية وقدرات حربية مضادة للغواصات في الحصون التي كانت هذه الغواصات تقوم فيها بدوريات. 

وسمحت هذه المهمة للحاملات بالتقليل من أهمية قدرات الضربات الهجومية لصالح أسلحة دفاعية أكثر. 

ولكنها الآن تحولت إلى أداة للدعاية

واستخدمت البحرية الروسية مؤخراً الأدميرال كوزنتسوف كوسيلة للتأثير والهيبة؛ إذ تُعَد كوزنتسوف تجلياً مرئياً للقوة البحرية الروسية، ما يجبر البلدان الأخرى على مراعاة المصالح الروسية. 

ومثلما تشير مهمة سوريا، قد تركز روسيا في المستقبل أكثر على تطوير قدرات ضربات هجومية بغرض استعراض القوة بصورة أكبر، وفقاً لمجلة The National Interest.

ألغت روسيا حاملات أكثر مما فعلت معظم الدول. وكثيراً ما يعلن مخططو الدفاع الروس المشروعات كأداة للحصول على الموارد والهيبة، وليس كجزء من خطة لبناء أي شيء على وجه التحديد. 

فقد أشار الرئيس ديمتري ميدفيديف في مرحلة ما إلى أنَّ روسيا ستبني وتُشغِّل ست حاملات طائرات بحلول عام 2025، ومن الواضح أنَّ ذلك لن يحدث. لكن هناك خطة قائمة لناقلة Project 23000E Shtorm، وهي حاملة طائرات كبرى تزن 100 ألف طن وتعمل بالطاقة النووية وتستخدم مجانيق تعمل بأنظمة إلكترومغناطيسية لإطلاق للطائرات وتقنيات حديثة أخرى. ويُفتَرَض أن تستضيف هذه الحاملة مقاتلات MiG-29K، ولو أنَّ عمر هذه المقاتلات يشير إلى الحاجة لاستبدالها. لكنَّ قدرة روسيا على بناء هذه السفينة في الظروف الحالية أمر موضع شك كبير.

هل تلجأ للصين لاستبدال سفينتها المترنحة؟

قدرات طيران البحرية الروسية مُعلَّقة بشعرة. فحاملة كوزنتسوف قديمة وفي حالة سيئة، ولا توجد حاملة قريبة حتى من مرحلة الإنشاء. لم يحظَ أسطول السطح الروسي بقدر كبير من الاهتمام في آخر خطط التحديث العسكري، ولم تبنِ صناعة بناء السفن الروسية سفينة بحجم وتعقيد كوزنتسوف منذ بَنَت كوزنتسوف نفسها.

مع ذلك، يبدو أنَّ الكرملين ينظر إلى حاملات الطائرات باعتبارها مساهماً مهماً في الهيبة الوطنية. واجهت البحرية الروسية صعوبات كثيرة لنشر كوزنتسوف في موقعها لدعم العمليات في سوريا، وعلى الرغم من الإحراج المرتبط بذلك، أدخلت الحاملة في عملية صيانة كبيرة. وإذا ما قرر الكرملين أنَّه بحاجة لحاملة طائرات لمواكبة كل من فرنسا وبريطانيا والصين والهند، سيتعين عليه البدء بالتفكير جدياً في كيفية إنشاء أو الحصول على هذه الحاملة. 

وليس من غير المُتصوَّر أنَّ موسكو قد تفكر في المستقبل في طلب شراء حاملة طائرات من أحواض بناء السفن الصينية، على الرغم من مدى التراجع الشديد في الهيبة الذي قد يُظهِره ذلك. وخلاف ذلك، ستحتاج روسيا للبدء بالالتزام بالجداول الزمنية للبناء قريباً.

عربي بوست