وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)

تفاصيل لم تنشر عن اغتيال الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي (الحلقة التاسعة)

أحمد يحيى الديلمي ——————-

 

المشهد السياسي اليمني العام

  • الاحزاب ومعطيات الواقع السياسي

 

في اطار الحديث عن المشهد السياسي اجد من الاهمية الاستمرار في توصيف المشهد على المستوى العربي باعتبار اليمن طرف هام يتأثر بالتحولات والمستجدات ويؤثر فيها في هذا السياق .

كادت الاحزاب أن تصل الى افق مسدود وفقدت فاعليتها وقوة حضورها على المستوى الشعبي في اللحظة التي وصلت فيها الى سدة الحكم لان دهاقنة السلطة عشاق المناصب والكراسي الدوارة تصدروا المشهد ولم يكتف هذا النوع من البشر بالانتماء للحزب الحاكم وإعلان الولاء المطلق له للحزب لكنهم تحولوا الى ابواق تبالغ في تمجيد الفكر والإسراف في نعت القيادة التاريخية للحزب بصفات ما انزل الله بها من سلطان وصلت الى التقديس على قاعدة القائد الملهم والمعجزة على خلفية الخطاب الانتهازي المتزلف ضاقت الحلقة وارتفع شعار القائد الضرورة التاريخية تمهيدا لاختزال الحزب والتنظيم والفكر في الرجل الاول القابع على راس الحزب والسلطة معا وهو ما جعل الاحزاب السياسية تفقد المصداقية وتصبح على المحك لماذا ؟

الجواب واضح تحويل المسار العام للاهتمامات وبرامج التثقيف بفكر الحزب الى حلقات ضيقة اتسمت بالنفاق بحيث اصبحت الوظيفة والاستيئثار بها اهم مدخل لاستقطاب اعضاء جدد الى قوام الحزب أي انه تم التركيز على الكم واهمال الكيف بحيث تم التجييش العشوائي والرهان عليه كأساس للاحتفاظ بالسلطة اطول فترة من الزمن وفي مرحلة لاحقة بعد اختزال الحزب في القائد الضرورة وبفعل الجيش الجديد من العامة والمتنفعين تضائل الاهتمام بالحزب والفكر واصبح القائد محور الأولوية القصوى وخيار وحيد لابديل عنه من خلال نفس القيادات النفعية .

هذا التحول جعل مصداقية الاحزاب على المحك لانها اضطرت الى ان تفكر بعقل الدولة والعمل من خلال اجهزة المخابرات التي تعاطت مع الفكر والأطر التنظيمية بأفق ضيق سخر كل شيء لخدمة النظام والرجل القابع على سدة الحكم فأثار في النفوس حالات التوجس والخوف من القوى المعادية للحزب والدولة وتحويل كوادر الحزب الى مخبرين بمقتضى هذه التحولات طال التآمروالاقصاء

قيادات حزبية معروفة ومشهود لها بالنضال بمجرد ان اصواتهم ارتفعت لنقد بعض التصرفات التي اعتبروها خروج على فكر ونهج الحزب لان عملية الرقابة التنظيمية اوكلت الى المخبرين ممن تحملوا مهمة الفرز والتقييم وتزكية أي عضو جديد يتقدم بطلب الانضمام الى الحزب .

ورجال الاستخبارات في الغالب فاقدين للأهلية وبلا افق سياسي لان مداركهم وقدراتهم الذهنية لاتخرج عن نطاق التجسس ورصد انفاس الاخرين المسجلين في قوائم من يعتبرونهم اعداء للنظام المختزل في الرئيس .

التداعيات السلبية لهذا التوجه الحقت الضرر بشكل واسع بالاحزاب القومية لان طموحها القومي ومساعيها لاعادة وحدة الامرالواقع حتم وجود امتدادات لها في معظم الاقطار العربية هذه المعطيات ضاعفت سلبيات القيادة الفوقية بما في ذلك التركيز على الكم واهمال الكيف واهمال عمليات التثقيف النوعية التي كانت ترتقي بذهنيات عناصر الحزب الى مستوى فهم فكر الحزب وتعاليمه على اساس سليم سرعان ما يترجمها السلوك والممارسة في الحياة اليومية وكانت اهم محور للإعجاب من قبل الاخرين وتدافعهم لطلب الانضمام الى الحزب أي ان الاحزاب مثلت مراكز اشعاع وتنوير وتطوير للقدرات الذاتية وجعل كل عنصر من عناصر الحزب يستشعر المسؤولية تجاه الحزب والأمة والانتماء وتجاه المجتمع الذي ينتمي اليه فيكون عنصر فاعل حريص على تجسيد روح الفكر بما يمثله من قواعد واحكام ويفرضه من مسؤوليات .

للأسف في مرحلة تقزيم الافق الجماعي واعتبار الولاء للفرد مقدم على الولاء للحزب في هذه الاجواء  المتسمة بالضيق تضائل مناخ الالتفاف الجماهيري .

امتدت فكرة رفض الاخر الى المخالفة في نطاق التنظيم نفسه وحدث اول انشقاق عملي عن حزب البعث العربي الاشتراكي في منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي عندما اعلن علي صالح السعدي عضو القيادة القومية لحزب البعث في العراق الانشقاق عن الحزب وتشكيل حزب جديد باسم حزب العمل في القاهرة وتوالت الاستقالات والانشقاقات وتفريخ احزاب جديدة في نهاية عقد الستينيات من نفس القرن بعد ان وصل الحزب الى سدة الحكم نفس الموجة  فرضت نفسها على التنظيم في سوريا بعد انقسام حزب البعث على نفسه كما وصف الاستاذ اكرم حوراني المفكر وأحد القيادات التاريخية الذي اسهم في تأسيس الحزب ما حدث بقوله : (يبدو اننا استعجلنا بإقرار مبدأ الاستعانة بالجناح العسكري للتغلب على القوى السياسية الاخرى واخضاعها لإرادة الحزب فهذا الجناح بعد ان انجز مهمة السيطرة على السلطة اقصى القيادة التاريخية منهم من فر الى خارج البلاد و من تبقى منهم اودعوهم السجون ). بالفعل انتقل ميشيل عفلق واكرم حوراني واخرين الى العراق ومنهم من فر الى اوروبا واستقر بها .

اما التحول الكارثي الذي دل على ضيق التفكير والتمسك بكرسي الحكم وان على حساب الفكر وقوة التنظيم ومشروعه الحضاري الهادف الى اعادة تحقيق وحدة الامة العربية حدث هذا الامر التعسفي المغاير عقب مبادرة الرئيس المصري انور السادات التي بدأت بزيارة القدس وانتهت بالمصالحة والتوقيع على ماسمي باتفاقية كامب ديفيد وهو مادفع الدول العربية الى مقاطعة مصر ونقل مقر الجامعة العربية الى تونس في ذات السياق تبلور موقف رادع اتسم بالحسم ولعب دورا هاما في الضغط على دول الخليج للاعلان عن مقاطعة مصر استنادا الى قرار قمة بغداد الذي نال اجماع كل الدول العربية باستثناء سلطنة عمان واثناء انعقاد القمة التي لعبت فيها دول الصمود والتصدي ممثلة في العراق وسوريا والجزائر وليبيا وحكومة جنوب الوطن ومنظمة التحرير الفلسطينية دورا هاما وتبلورت مواقف رافضة بشكل مطلق لأي تصالح مع دولة الكيان الصهيوني .

وكان ابرز المواقف التي تم الاعلان عنها بعد القمة اللقاء المفاجئ بين الزعيمين احمد حسن البكر والرئيس السوري حافظ الاسد الممثلان لجناحا حزب البعث في الدولتين وتم الاتفاق على توحيد الحزب والدولة وتشكلت لجان لاستكمال الخطوات العملية الا ان التفكير بمنطق القبيلة وعقلية من يحكم من والمواقف الشخصية ممثلة في الحساسية المفرطة بين الرئيسين الاسد وصدام حسين الذي كان ظاهريا يتصرف باعتباره الرجل الثاني في العراق بينما كان في الواقع الرجل القوي صاحب القرار الفاعل في الحزب والدولة ، في التفاصيل ذكرت الروايات ان الخلاف بدأ بكيفية ترتيب اوضاع عفلق والحوراني والياس فرح الذين رأى صدام ان يضلوا هم في مواقع متقدمة في القيادة القومية كمؤسيين وقيادة تأريخية فيما راى الاسد انهم مواطنين سوريين يخضعون للقوانين السورية وهناك قضايا كثيرة تشعب الخلاف حولها فكانت الكارثة التي اجهضت الحلم الذي استبشر به كل عربي مخلص لان القطيعة وحالات العداء عادت الى اسوء مما كانت عليه ووصف الدكتور سجاد الغازي وهو عضو متقدم في حزب البعث جناح العراق واستاذ جامعي وصف ماحدث بالانتكاسة التي اسهمت في هز الموقف العام وسمحت للبترو دولار بالتدخل وفرض شعارات ومعايير رافضة لاي فكر يتبنى القومية وينادي بإعادة وحدة الامة هذه النقطة هي التي حسمت الاستعراض السابق لان ماجرى سمح للسعودية ودول الخليج ان اخترق جبهة الصمود والتصدي وتسهم في تأجيج الخلاف بين اعضائها بأساليب مختلفة افشلت قمة ليبيا لقادة الدول السبع مما جعلها البعض يعتبرها ( بيضة الديك) لانها اجهضت الفكرة وقضت عليها في مهدها،المفارقة الهامة ان ماجرى اغضب قيادات حزبية في العراق اعتبرت التراجع عن فكرة وحدة الحزب والنظام في القطرين خيانة للفكر والمبادئ مما دفع القيادة الى اعدام القيادات البارزة منهم المفكر منيف الرزاز صاحب كتاب التجربة المرة وعدنان حسين وزير التخطيط ومحمد عائش مسؤول العلاقات الخارجية في القيادة واخرين كانوا على درجة عالية من الاهمية في الحزب والدولة هذه الخلفية اقتضى سياق الموضوع الاستعانة بها لتأثيراتها على المكونات الحزبية في اليمن .

  • المشهد السياسي وخارطة الاحزاب في اليمن

تسارعت الاحداث عقب انقلاب خمسة نوفمبر 1967م وتمت ادارة حكم البلاد كما اسلفنا بتشكيل المجلس الجمهوبي من ثلاثة اعضاء برئاسة المرحوم القاضي عبد الرحمن الارياني عالم الدين والسياسي المعروف وتمثلت في

التداعيات التي لعقبت حصار صنعاء ودخول الزعامات القبلية بذلك الهيلامن الغير مسبوق وكل التداعيات السلبية التي اضطرت الدولة الى اعتماد ميزانيات خاصة للمشائخ التي ضاعفت الاعباء المالية على الدولة الى ثلاثة اضعاف  بحسب افادة الوالد المرحوم محمد احمد صوفان امين صندوق الدولة ان قوام الموظفين في الوزارات ومؤسسات الدولة كان محدودا مشيرا الى ان قوام البرطول العام -كلمة تركية تعني السجل العام- لم تتجاوز الاسماء المدونة فيه ثمان مائة وثمانين موظف اضافة الى قوات الجيش التي لم تستقر عند رقم محدد.

في هذا الجانب هناك معلومة تؤيد ما اسلفت ذكرها الدكتور حسن مكي حيث قال بان المساعدات المصرية للمرتبات والنفقات الجارية لم تتجاوز مائة وخمسين الف جنية مصري في العام وان بقية النفقات كانت تعتمد على الموراد الذاتية ممثلة في الزكاة وحاصلات  املاك وعقارات الدولة لذا لزم التنوية واعود الى سياق الموضوع فقد تضاعفت الاعباء عقب استقطاب الفريق قاسم منصر بمجاميع كبيرة اضطرت الدولة الى ادخالهم في قوائم الجيش ومنحهم رتب عسكرية لإغراء المتواجدين في الجبهات الاخرى على التسليم للدولة ،وهو ماحدث بالفعل فبعد تأمين الجبهة الشرقية واسناد قيادة المحور الشرقي لقاسم منصر تشجيع المتواجدين في الجبهة الجنوبية للعاصمة وانضموا الى صف الثورة برئاسة العميد هادي الحشيشي الذي تم تعيينه قائدا للمحور الجنوبي وهي مناصب شكلية تم اختراعها لارضاء من انضموا الى صف الثورة .

وبعد وقف المعارك والتوقيع على المصالحة الوطنية وما ترتب عليها من تبعات كان ابرزها دخول السعودية الى المشهد وفرض السيطرة والتحكم وسعيها الحثيث الى استقطاب المشائخ والسيطرة على مؤسسة القبيلة وتخصيص ميزانيات شهرية للمشائخ حددت مقاديرها مكانة كل شيخ والدور المعول عليه في ترجمت اهداف السعودية التي سبقت الاشارة اليها .

اضافة الى استقلال الشطر الجنوبي من الوطن وجلاء المستعمر الانجليزي والاعلان عن قيام دولة مستقلة في الجنوب بقيادة الجبهة القومية مما ادى الى حالة نزوح  متبادل معظم المنتمين الى حركة القوميين العرب والاحزاب اليسارية اتجهوا الى عدن ،والمنتمين الى جبهة التحرير وانصارها اتجهوا الى صنعاء .

  • الجبهة القومية لماذا ؟

في هذا الجانب يوجد تفاصيل هامة افصح عنها رجل الاعمال المعروف المرحوم احمد عبدالله العاقل وايدها الرئيس علي ناصر محمد عقب احداث  13 يناير 1986 م بالصدفة كان الاجتماع في منزل المرحوم اللواء مجاهد ابو شوارب الذي اقام مأدبة على شرف الرئيس علي ناصر محمد وعدد من المسؤولين النازحين معه وفي المقيل مازحه المرحوم العاقل انتم ضللتم اكثر من عام تهددوا بالتأميم ولم تقدموا على الخطوة الا بعد ان هاجر راس المال الى الخارج وقام التجار بنقل معظم الممتلكات العينية الى الشمال ضحك الرئيس علي ناصر محمد واجاب اكيد انت بتقيس الامور على ماحدث لك انت حظيت باستثناء خاص من قبل كل افراد القيادات لاننا جميعا على علم بالدور الهام الذي قمت به ومثلت دعم مباشر للجبهة القومية .

الحوار اثار الفضول عندي لمعرفة خلفيته وكنت على علاقة جيدة مع المرحوم العاقل مع ان الرجل لايتعاطى القات الا انه اخذ استفساري على محمل الجد في اليوم التالي اشترى القات واستدعاني للحضورالى منزله في شمال العاصمة ما لفت انتباهي انه كان مستعد بمجرد استقراري الى جواره انطلق في رواية الحكاية بدقة وترتيب عجيب استوحيت منه ان الشريط مرتب مسبقا في الذاكرة وانه ضغط زر التشغيل فقط قال : انا كنت شاهد اثبات على السيناريوهات التي سبقت استقلال الجنوب وانسحاب القوات البريطانية وقد حرصت على لقاء الارياني رئيس المجلس الجمهوري في صنعاء واطلعته على تفاصيل ما سيحدث اهمها :

1-   ان بريطانيا اشترطت لتوقيع الاتفاق والانسحاب من الجنوب بان تقوم دولة مستقلة عن الشمال وتبسط نفوذها على كافة المحميات الخاضعة لبريطانيا

2-احياء شريط الحدود المعد سلفا الذي يفصل الشمال عن الجنوب ويحدد مناطق التماس

3-هذا البند لم يرد في الاتفاق ولم يتم الافصاح عنه الا في اضيق الحدود لانه يختص بتوجه النظام الذي كان ينبغي ان يتسلم مقاليد الامور في البلاد بعد انسحاب القوات البريطانية وتمت الموافقة عليه الى جانب بريطانيا من امريكا ومصر ويقضي بتسليم السلطة للجبهة القومية لضمان وجود نظام ماركسي متطرف يمثل مصدر خوف وقلق لدول الخليج وفي المقدمة السعودية التي ستخشى من توغل الوجود السوفيتي وقد وافقت مصر على الفكرة لعدم ثقتها بقيادة جبهة التحرير لان اعضائها اقامو علاقة مباشرة مع دول الخليج وعدد من دول المنطقة مثل الاردن والنظام القائم في الشمال على اعتبار ان بريطانيا وعدتهم بان تسلم اليهم كل شيء قبل انسحابها ويضيف العاقل بالفعل كنت اتحدث مع ممثلي جبهة التحرير فأجدهم على ثقة يتحدثون عن بريطانيا وكأنها ستفي بالوعد وتسلم كل شيء لجبهة التحرير بحجة ان بريطانيا وامريكا والسعودية لن تسمح بوجود نظام ماركسي متطرف في المنطقة نترك تفاصيل ورواية المرحوم احمد عبدالله العاقل الى الحلقة القادمة .