وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)

تفاصيل لم تنشر عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي (الحلقة الحادية عشر)

احمد يحيى الديلمي  ——————-

الجزء الثاني من المشهد السياسي اليمني العام :

حركة 13 يونيو والاحزاب السياسية

هناك معلومات غير مؤكدة تفيد بأن الرئيس الحمدي أنظم إلى عضوية الحزب الديمقراطي الثوري في زمن مبكر.

اذا صَدقت هذه المعلومة فانها تقدم ملمح هام عن فكر الرجل وموقفه من الحزبية بشكل عام وبالتالي تتضح طبيعة المواقف التي سبقت حركة يونيو ومنها استهداف منتسبي الاحزاب السياسية بالذات اليسارية على خلفية الاحداث التي توالت عقب الحرب التي اندلعت بين شطري الوطن عام 1972م وكان الحمدي قائدا لمحور قعطبة ،ورغم التقارب بعد ذلك بين الشطرين عقب اتفاق القاهرة الموقع من قبل الاستاذ محسن العيني عن الشمال والاستاذ علي ناصر محمد عن الجنوب الذي تم اقراره بعد ذلك من القاضي الارياني وسالم ربيع في القمة التي عقدت التي عقدت بالعاصمة الليبية طرابلس برعاية العقيد القذافي رغم ذلك الا ان الاعمال العسكرية اندلعت في المناطق الوسطى من قبل جماعات المقاومة الممولة بالسلاح والمال من حكومة الشطر الجنوبي وتوجيه القيادات اليسارية التي فرت من الشمال عقب المصالحة خوفا من الملاحقة والتعذيب والسجن خاصة بعد توغل الجماعات الدينية القادمة من السعودية ومصر وتمكن عناصرها من اختراق الاجهزة الامنية الموجودة انذاك ممثلة في الامن الوطني والامن الداخلي واقناع قيادات الجهازين او الضباط المعنيين بان مطاردة الحزبيين للقبض عليهم وايداعهم السجون وممارسة انواع التعذيب ضدهم كلها انتصار للدين وجهاد في سبيل الله ضد قوى الالحاد والكفر مما جعل السجون تغص بالمساجين المشهد ذاته يضع علامة استفهام على مواقف الشهيد الحمدي ان كان بالفعل قد انظم الى حزب من الاحزاب فان مناصبه الحكومية الى جانب كونه نائبا للقائد العام للقوات المسلحة فلقد شغل منصب قائد المنطقة المركزية وهو منصب غير معلن لكنه غاية في الاهمية يتولى الاشراف المباشر على الاجهزة الامنية والتنسيق فيما بينها اضافة الى تحديد صيغ التعامل بين الاجهزة المحلية ومثيلاتها الخارجية الاقليمية والدولية وبالتالي كان على اطلاع شامل باعمال الاعتقالات واسماء المعتقلين من كل الاتجاهات قرأة هذا الازدواج يدل على امرين :

الاول : اضعاف رواية انضمام الرجل لأي حزب قبل ذلك

الثاني : انه كان يتصرف كمسؤول في الدولة خاضع .للدستور وملزم بتنفيذ مواده بما في ذلك مادة تحريم الحزبية ويضطر الى اخفاء انتمائه الحزبي .

ايا كان الامر فان تعامل الرئيس الحمدي مع الاحزاب بعد وصوله الى سدة الحكم شكل تحول جديد في مسار حياته حيث تشير الوقائع انه من اول وهلة استفاد من تعليق العمل بالدستور ليعلن الاعتراف الضمني بوجود الاحزاب السياسية من خلال :

تشكيل اول حكومة برئاسة البعثي المعروف محسن العيني واسناد الحقائب الوزارية الى عناصر معظمها بعثية ومنهم

1 – د/ عبد الوهاب محمود عبد الحميد وزير الاقتصاد والصناعة .

2 – المقدم سلطان القرشي وزير التموين والتجارة

3 – الاستاذ علي لطف الثور وزيرا المالية

4 – المقدم يحيى المتوكل وزيرا الداخلية

ووزراء اخرين متعاطفين مع البعث اضافة الى ابرز القيادات العسكرية المحسوبة على البعث وهم :

المقدم مجاهد ابو شوارب نائب القائد العام للقوات المسلحة

المقدم علي محمد الضبعي رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة

المقدم علي ابو لحوم قائد قوات العاصفة

المقدم محمد ابو لحوم قائد اللواء السادس مدرع

المقدم درهم ابو لحوم قائد لواء تعز

المقدم حمود قطينة قائد قوات الاحتياط ،واخرين في مواقع ادنى مدنية وعسكرية اكدت ان حزب البعث كان مسيطر على معظم مفاصل الدولة لكن الامل كان معقودا على ان الحمدي سيمثل عامل بناء جديد يجعل الدولة مظلة لكل القوى السياسية ولذلك عمل البعث كفصيل لرئاسة الدولة رغم الثقل القبلي والعسكري والسياسي.

كما نلاحظ حضور القبيلة بشكل قوي في العمل السياسي فرض مهام جديدة حتمت على الحزب الدخول في سباق محموم مع السعودية من اجل استقطاب القبيلة والتأثير عليها الا ان الفرق كان كبير والاهداف والغايات مختلفة فالمخابرات السعودية كانت تبحث عن عملاء يترجمون ارادة الدولة بينما حزب البعث تعاطى مع الموضوع كتنظيم يسعى الى كسب كوادر جديدة من ابناء القبائل واخضاعهم لبرامج تأهيل وتثقيف مكثفة داخل وخارج اليمن ،هذا المسلك باركه الرئيس ابراهيم الحمدي عندما جاء اليه محمد خميس بعد انشاء الجهاز المركزي للأمن السياسي واختزل فيه الامن الوطني والداخلي واسند رئاسته الى خميس حمل الى الحمدي قائمة بأبناء المشائخ الذين يتأهب حزب البعث لارسالهم الى بغداد للدراسة نظر اليه الحمدي باستغراب وقال :

ما الذي يزعجك في ذلك دعهم يسهموا في فك امية هؤلاء الناس ويخففوا الاعباء التي تنفقها الدولة على التعليم الجامعي انت قلق من الانتماء دعهم يتعلموا ويكتسبوا معارف جديدة تخرجهم من دائرة التخلف وعندما يعودوا الى الوطن يحلها الله ، الانتماء لاي حزب تأكدت في وقت لاحق حيث افصح عنها خميس خلال انعقاد لقاء موسع للاجهزة الامنية وكان في منصب وزير الداخلية قال : ان تصرفات الرئيس الحمدي ومواقفه الارتجالية واصراره على وجهه النظر هيئات الاجواء للتقارب وتحالف الاحزاب وقدم مثالا على ذلك التحالف بين الناصريين والبعثيين في الاعداد لانقلاب 11 اكتوبر 1979م كما اشار الى السباق المحموم بين الاحزاب باتجاهاتها القومية واليسارية والدينية لاستقطاب المشائخ وابناء القبائل الى عضوية الاحزاب لتحصل على رديف قوي يعزز قوة حضورها والفاعلية وقوة التأثير هذا الكلام ورد في معرض رده على الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي كان قد القى محاضرة في نفس اللقاء اتهم فيها الاجهزة الامنية بالتساهل مع التيارات والاحزاب العلمانية والالحادية ضاربة عرض الحائط بالنص الدستوري الذي يحرم الحزبية ووصفها بالعمالة والخيانة العظمى وحذر من استمرار التساهل وما يمثله من خطر على مستقبل الاسلام في اليمن مؤكدا ان اجماع العلماء والمشائخ واصحاب الحل والعقد على الخلاص من الرئيس الحمدي كان بسبب انحرافه عن منهج العقيدة واحتضانه للجموع المارقة عن الدين هذا الكلام اثار غضب عدد كبير من الحاضرين وافصح عنه احد طلبه كلية الشرطة ووقف يقول :حرام عليك يا شيخ عبد المجيد لماذا تحاول تشويه صورة الرئيس الوطني المرحوم ابراهيم الحمدي الا يكفي انكم شاركتم في جريمة قتله الكلام قوبل باستحسان عدد كبير من الحاضرين بالذات طلبة كلية الشرطة الذين ارتفعت اكفهم واستمروا في التصفيق حوالي خمس دقائق كرد فعل رافض لكلام الزنداني مما اثار غضبه وتقافز حراسة الى المنصة للوقوف خلفه وهو يعنف الطالب ويخلع عليه اوصاف ما انزل الله بها من سلطان مما جعل خميس يتدخل ويفصح عن المعلومات التي اسلفت لارضاء الزنداني يبدو ان كلام خميس لم يرض الزنداني مما اضطر شقيق الرئيس محمد عبد الله صالح  الذي كان يومها وكيلا لوزارة الداخلية الى التدخل بتوجيه مدير الكلية حبس الطلبه ومنعهم من الاجازة اسبوعين متواليين بالمقابل تم التركيز على الكليات ومراكز التدريب العسكرية والامنية ومدها بعناصر من السلفيين وافراد من جماعة الاخوان المسلمين بهدف تغيير قناعات الطلبة ومدهم بمعارف جديدة غرست فيهم كل انواع الحقد والبغضاء والكراهية للقوى والمكونات السياسية الاخرى واتهام اتباع الاحزاب القومية والماركسية بالعلمانية والكفر والالحاد وتم التركيز اكثر على طلبة كلية الشرطة لانهم بعد التخرج سيوزعون على الاجهزة الامنية المختلفة وفي المقدمة جهاز الامن السياسي لضمان توغل الحقد ورغبات الانتقام للدين في نفوسهم كي يكونوا على اتم الاستعداد  لتعذيب كل حزبي حتى الموت

  • قتل السجناء تحت التعذيب في الامن السياسي :

حدثت سوابق وممارسات اجرامية قادت الى موت السجناء تحت التعذيب حتى الموت الروايات عن اعداد الضحايا كبيرة لكن اجزم بما حدث للزملاء محمد علي هادي ،حمود الخياط ،علي خان ،فقد تعرضوا لتعذيب قاسي انتهى بصعود ارواحهم الى بارئها كان هول الفاجعة كبير على اسرهم واولادهم .

المعلومات التي تسربت من دهاليز الامن السياسي القت التهمة على محمد عبدالله اليدومي رئيس حزب الاصلاح حاليا هذه المعلومة تفتقد الى ادلة اثبات لكنها متداولة وهناك

دليل واحد للاثبات  كونه كان مسؤول على انشطة القوى الماركسية.

  • استهداف المسلم المخالف للجماعة

على نفس الصعيد انتقلت نزعات التفسيق والتكفير واتهامات الرد من اتباع الاحزاب والتكوينات السياسية الى اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى مما دل على ضيق الافق الثقافي وعدم احترام الاخر المخالف وان كان اكثر ارتباطا بالدين والاستهانة بموروثه ومقومات المذهب الذي يرتبط به وان كانت تجسد الحقيقة بكل معانيها وتعبر عن قيم وتعاليم الدين الصحيحة فانه يوصف من قبل اتباع الاخوان المسلمين او الوهابية والسلفية بالكافر او الفاسق كأقل تهمة تضعه في مسافة متوسطة بين الايمان والكفر وان كان الى الكفر اميل وفق توصيف المرحوم سيد قطب في كتابه (معالم على الطريق )

  • جار الله عمر ضحية التسامح :

في 16 اغسطس 1990م وعلى وقع الزخم الجماهيري الكبير الذي رافق الاعلان عن اعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني التقيت الشهيد المرحوم الاستاذ جار الله عمر في منزل الشهيد المرحوم اللواء يحيى محمد المتوكل وحضور الاخوين اللواء علي قاسم المؤيد احد ضباط الثورة وعبد الرحمن احمد مهيوب القيادي البارز في حزب البعث العربي الاشتراكي دار الحوار حول المخاوف الكبيرة التي تحيط بمنجز الوحدة على خلفية حملة الرفض الواسعة من قبل ادوات وعملاء السعودية ممثلين في :

1-   المشائخ الذين يتقاضون اموال من السعودية

2-   اتباع حركة الاخوان المسلمين

3-   العناصر الوهابية والسلفية

كان الاستاذ جار الله عمر غير مرتاح لإشهار حزب الاصلاح  الذي انطوت تحت لوائه المكونات السابقة

وقال : انا كنت رافض فكرة الحضور باعتبار اني في نظر غالبية الاعضاء ملحد مباح الدم عاتبه الاخ عبد الرحمن مهيوب على حضوره حفل اشهار الحزب الجديد فأجاب الشيخ عبدالله  احرجني باتصاله والاخ الامين العام علي سالم البيض كلفني بتمثيل الحزب في البداية لا اخفي اني دخلت القاعة وانا خائف متوجس الا اني جلست الى جانب الاخ عبد الوهاب الانسي الذي تم انتخابه امينا عاما للحزب بالاجماع اسلوبه في الكلام وحديثه عن المستقبل بدد المخاوف عندي ووجدت نفسي امام مشهد مختلف تماما عن المجاميع المسلحة المحتشدة عند البوابة او الموجودة في الكراسي الخلفية حقيقة اذا كان الجميع يفكرون بعقلية الانسي فان الامر يبعث على التفاؤل يقاطع عبد الرحمن مهيوب مازحا اخشى تتوطد العلاقة وتتحالفوا ضدنا مستقبلا

يرد جار الله عمر اتدري اننا تحالفنا مع الاسلاميين ضدكم دون ان نعلم وبشكل غير منظوريقاطع يحيى المتوكل متسائلا… متى ؟

عندما تلاقينا مع الاسلاميين لمناهضة الفكر القومي صدقوني نحن في الحزب الاشتراكي بعد انتهاج التعددية وصلنا الى مرحلة من الصفا الذهني معها لا نتردد عن الاعتراف بكل الاخطاء والتجاوزات التي حدثت في الماضي ومنها اننا التقينا مع الاسلامين في التنكر للعروبة ومحاربتها وكدنا  لتجاوز الهوية الوطنية والقومية .

  • يحيى المتوكل

بالفعل هذه الابعاد وصلت الى مرحلة العقدة التي يصعب حلها في مرحلة اعداد دستور دولة الوحدة ،موضوع ازالة عبارة العربية من اسم الدولة ظلت محل خلاف كبير اعضاء اللجنة من الشمال يصرون على بقائها واعضاء الفريق من الجنوب يرفضون ذكرها ويقترحون ذكر اسم أخر للدولة بدون كلمة العربية الرسمية اذكر اني حضرت اجتماع للقاضي عبد الرحمن الارياني رئيس المجلس الجمهوري الاسبق مع اعضاء اللجنة من الجانبين ودار الخلاف حول هذه النقطة بالذات حيث اكد الجميع انها ممارسات طفولية لاعلاقة لها بالفكر السياسي وان أي فكر لايمكن ان يطغى على الهوية الوطنية او الاعتقاد الديني وبهذه المقاربة تمت الموافقة على ابعادها وماترتب عليها في المستقبل .

وفيما رحب مهيوب بالفكرة ذهب الى انه اهم عائق سيحول دونها فقال :مشكلة الاخوة في الاصلاح تتمثل في جناح الغلو والتطرف واشار الى جار الله عمر قائلا انا وانت في نظر هذا الجناح كفار دماؤنا مباحة وكل ما اخشاه ان تمتد الايادي الاثمة الى اغتيالي او اغتيالك في اطار الانتصار للدين .

هنا ملاحظة هامة لابد من الاشارة اليها وهي ان هواجس ومخاوف عبدالرحمن مهيوب تحققت في وقت لاحق فقد اقدم احد المتطرفين على اغتيال المرحوم الشهيد جار الله عمر في اكبر تجمع للاصلاح امام انظار كل القيادات الاصلاحية وان كانت هناك معطيات اشارت الى ابعاد اخرى دفعت الفاعل المباشر الى اقتراف الجريمة بالاستغلال المباشر للافكار المترسبة بذهنه باعتبار الشهيد جار الله كافر ملحد يستحق القتل وان قاتله شهيد مآله الجنة لكن هناك مؤشرات دلت على الابعاد الاخرى تقول ان علي محسن الاحمر هو من اقنع السعواني القاتل للقيام بالمهمة استنادا الى اتفاق مسبق مع الرئيس صالح وان زمن ومكان الاغتيال تحدد بدقة بهدف تحميل حزب الاصلاح الجريمة لما يلحق بذلك من تبعات اقلها وضع اسفين بين الاصلاح والاشتراكي من جانب وتسهيل التقارب بين الاشتراكي والمؤتمر بحيث  ينتهي الامر بشق صف احزاب اللقاء المشترك الذي ضم احزاب المعارضة وانهى ما اعتبره المؤتمر او بالاصح علي محسن زواج كاثوليكي بين المؤتمر والاصلاح وكان من اهم ثماره الاصطفاف في معركة غزو عدن عام 1994م  وهي الاحداث الاليمة التي ادت الى اقصاء الحزب الاشتراكي من وظائف الدولة المختلفة ومن القوات المسلحة على وجه الخصوص وتجريده من القوة التي ظلت مصدر خوف وقلق للرئيس صالح من لحظة توقيع الاتفاق على تحقيق الوحدة بالعودة الى الشهيد جار الله عمر فلقد لعب رحمه الله ومعه الدكتور محمد عبد الملك المتوكل دورا هاما في استقطاب حزب الاصلاح الى صف المعارضة وكان الحوار قبل ذلك قد حدث بين حزب الاصلاح وحزب البعث العربي الاشتراكي وقام بالمبادرة رجل الاعمال المعروف الاستاذ عبدالله حمود الحسيني عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي قطر اليمن الا ان هيمنة المؤتمر ادت بالمباحثات الى طريق مسدود .

بقية التفاصيل في الحلقة القادمة ان شاء الله