هل من مكانة للمرأة في المجتمع اليمني..؟
ليزا جاردنر *
يُهَيْمن ال سعود على شبه الجزيرة العربية منذ نشأتها وتواطئها مع بريطانيا العظمى لتقسيم الشرق الاوسط، مقابل حماية الدول الإمبريالية لمملكة ال سعود.
وقد سميت السعودية بهذا الاسم نسبة الى محمد بن سعود منذ سنة ١٧٤٤ بمباركة ومساعدة محمد عبد الوهاب وتم التعاون بين الطرفين لإنشاء الإصلاح الديني في المنطقة وكانت السعودية تحت اسم أرض نجد والحجاز قبل أن تسمّى باسم السعودية.
وقد توسع اخطبوط السعودية الى شبه الجزيرة العربية بعد انهيار الاحتلال العثماني، وتجدر الإشارة أن الحرب على اليمن من قبل ال سعود ليست جديدة بل قد اندلعت منذ عقود قديمة. وقد أثرت الهيمنة السعودية في اليمن على النسيج الاجتماعي بنشر الأيدلوجية الوهابية داخل المدن اليمنية؛ عن طريق الدعاة وشيوخ الفتوى، إضافة إلى المدارس الدينية، وانتشار الأدبيات الوهابيّة المجانية في المدارس.
لم تتوقف هذه الهيمنة في المجال الثقافي فحسب، بل امتدت لتسيطر على الاقتصاد اليمني وكذلك السياسي، فنهبت ثروات اليمن واستغلت الأيادي العاملة اليمنية لتشييد السعودية وبنائها تحت نظام الكفالة والإهانة في نفس الآن، فأصابت السعودية اليمن في الصميم حين شنّت الحرب على المرأة اليمنية بتعلّة التعاليم الدينية المزيفة، فكان إذلال المرأة اليمنية بأبشع الطرق تحت غطاء الهيمنة السعودية الوهابية التي تحجر سماع صوت المرأة لأنّه عورة حسب اعتقادها…!،
والواقع أن صوت المرأة في الثقافة اليمنية لم يكن يوما عورة أو محرما فهناك من الفنانات اليمنيات الشريفات ممن افتخر بهن اليمنيون أمثال “نبات أحمد” و “تقية الطويلية”، و غيرهن مما سبقنهن بالغناء الصنعاني وجميع الوان الغناء اليمنى البهيج.
ومنذ أواخر الستينيات ما فتأت المرأة اليمنية تعمل في الحقل مع الرجل جنبا إلى جنب. وكان النساء يلبسن الستارة الملونة وهي شبيهة ب”الشال الطويل” الذي تضعه المرأة على رأسها إلى أخمص قدميها. وكانت وما تزال تخرج بغير محرَّم يصاحبها. اما في القرى فكانت النسوة يلبسن ما يحلو لهن، وكانت النساء بشكل عام تتزين بنقش الحناء على يديهن وقدميهن، ويضعن “الروج الأحمر” على شفاههن.
وتميزت النساء اليمنيات أيضا بوضع ما يسمى بالخط حيث يضعن خطوط النقش الأسود على وجناتهن مع خط عمودي قصير في منطقة الذقن والجبهة وكان هذا من دلالات الاهتمام والتزيّن والأناقة. لكن مع هجرة المهاجرين من اليمن الى السعودية من أجل البحث عن العمل وكسب الرزق اقتبس هؤلاء المهاجرون الايدلوجية الوهابية وتأثروا بها أيما تأثير وبدأوا يقمعون النساء، وتفاقم القمع مع تزامن انتشار هذه إيديولوجيا الوهابية في اليمن.
فتحولت المرأة اليمنية إلى بضاعة أو سلعة تشترى وتباع في أسواق الاستهلاك والابتزاز الجنسي والنفسي والجسدي، فلا غرابة حينئذ من أن يُبيح ويروج الشيخ “عبد المجيد الزنداني” زواج المسيار، أي الزواج السياحي للأجانب الخليجيين والزواج العُرفي وزواج القُصّر. لذلك لم نلاحظ إصدار حزب الاصلاح مثلا بيانا يُحَدّد سنّ زواج الفتيات..!
لذلك تدهورت حالة الفتيات في اليمن و دخلن في مرحلة ما سمته المفكرة، “سبيفاك” بحالة التهميش الذي يتمثل في أن الفتاة أو المرأة اليمنيّة لا تتمتّع بحق التصويت ولا تستطيع أن تمارس أي حق من حقوقها الإنسانية..!
لأنها ببساطة مُقزَّمة تحت وصاية الرجل السعودي ومن تبعه..! فألزمها بلباس العباءة السوداء الوهابية فاسودت حياتها منذ ذلك الانصياع وضاع نورها نور العلم والمعرفة وتكسّر جناحيها، جناحا الحريّة والانطلاقة حيث الكرامة وتأسيس الكيان وتجسيدها لذاتها الإنسانية…!
وبطيعة هذا الانغلاق والظلامية التي غزت اليمن أصبحت كل امرأة لا تخضع للوصايا الوهابية هي امرأة سافرة وما يتبعها من نعوت مُشينة…! وحُدّدت عِفّة المرأة اليمنية حسب هذه الوَصايا بما تحمله من سواد الثياب والخمار والقفازات وما يتبعه من رؤية ظلامية لذاتها تكبلها وتنزع عنها أدنى حقوقها الإنسانية…! لقد كُبّلت المرأة اليمنية بحزام العفّة الحديدي في حين أن للرجل “العربي” إباحية نكاح المرأة في كل الحالات والتمتع بجسدها تلبية لشهواته ورغباته هو فقط.
تعيش المرأة في المجتمع الذكوري الوهابي عند آل سعود ومن تبعهم من ذوي الفكر الظلامي وضعيّة مزرية ومخجلة في آن وذات طابع ازدواجي مفارق فهي بقدر حرمانها من أبسط حقوقها وبقدر ازدرائها تبقى مرغوبا فيها ومشتهاة من قبل نفس العقليّة الذكورية التي تزدريها..!
وبقدر تهميشها واحتقارها تبقى محافظة على مركزية مكانها في هذه المجتمعات فهي نصف المجتمع ومحوره ولعل أهم دليل لذلك كيفية استغلال الوهابية للمرأة اليمنية كآلية نشر الايديولوجية الوهابية في المدارس وفي القرى وفي الأرياف بتدفقات مالية هائلة لنشر الهيمنة الثقافية الرجعية وتسجيل أكثر ما يمكن من سلوك تدمير للذات الإنسانية وإفقار الفكر النسوي وغيره من روح المبادرة الحرّة والمبدعة وكلنا يعلم أن أهم وأخطر سلاح لتحقيق السيطرة والهيمنة على الآخر وتقزيمه هو ضخ الأموال بدل الأفكار وتدعيم الاستكانة والانقياد بدل التحرّر والانطلاق نحو الأفضل..!
ولعل أهم وأسوأ سلوك يقوم به حزب الإصلاح في اليمن هو تجنيد النساء في التصويت لصالحه عن طريق توظيفهن للترويج للحزب والتصويت له، إضافة إلى استغلال النساء الفقيرات والمُعوزات في مجال التدريس في المدارس الدينية، وتزويجهن بصفقات مالية للأغنياء كزوجة ثانية وثالثة ورابعة، وكل ما كانت الفتاة صغيرة السنّ كلما شاع صيتها لدى معشر الرجال وكانت طيّعة ومرنة في اعتقال حريتها وقمعها تحت اسم الستر والعفة الظاهرة للعيان والزائفة…! .
أمام هذا الطغيان الوهابي والامبريالي الرأسمالي المقيت يمكن الإقرار بكل ثقة أنه لا تحرُّر للمرأة من هذا الانصياع والاستغلال الفاحش إلا بمبادرات نضالية نسوية واعية وشجاعة ودؤوبة بها تكسّر المرأة اليمنيّة قيود العبوديّة وسلاسل الاستغلال بشتى أنواعه بحيث تستحيل إلى نموذج وقدوة لكل النساء.
ولا يخفى أن تحرّر الشعوب واسترداد سيادتها وكرامتها يشترط أولا وبالذات تحرّر المرأة وذلك بتأسيس كيانها المبدع وبإثبات مستطاعها… فهي تُشكل نصف المجتمع ولبّه ومحوره.
* الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع