السياسية: تقرير|| مرزاح العسل||


رغم التدخلات من إدارات الجامعات والقمع الشديد والاعتقالات التي تمارسها الشرطة الأمريكية.. يتواصل حراك طلاب الجامعات الأمريكية الداعم لفلسطين في العديد من الجامعات في أنحاء الولايات المتحدة، بل ويتسع ليصل إلى العديد من الدول الأوروبية والعربية والإسلامية.


وأفادت تقارير إعلامية حديثة بأن عدد المعتقلين في أنحاء الولايات المتحدة تجاوز الـ900، خلال الأيام العشرة الماضية، وذلك في أكبر رد فعل للشرطة الأمريكية على نشاط في الجامعات منذ سنوات.

وفي الـ18 من أبريل الجاري، بدأت في الجامعات الأمريكية انتفاضة قوية ضد تمويل واشنطن للإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وطالت جامعات مشهورة مثل: كولومبيا، وإيموري، ونورث ويسترن وجورج واشنطن، وجورج تاون، وييل، وجامعة واشنطن، وجنوب كاليفورنيا، وهارفارد، وغيرها من الصروح العلمية العريقة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

وتجدّدت الاحتجاجات المناهضة لكيان العدو الصهيوني خارج "معهد الأزياء للتكنولوجيا"، التابع لجامعة "نيويورك"، في مانهاتن بولاية نيويورك، وذلك بعد أيام من قيام عشرات المتظاهرين بنصب الخيام في المكان، والسيطرة على المبنى.

وشدّد البيت الأبيض، الليلة الماضية، على وجوب أن تحافظ الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين التي تشهدها الجامعات الأمريكية منذ أسابيع على الطابع السلمي، في أعقاب اعتقال الشرطة نحو 275 شخصًا في أربع جامعات منفصلة خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي لشبكة (ايه بي سي) التلفزيونية: "نحن بالتأكيد نحترم الحق في الاحتجاج السلمي".. مضيفاً: "نحن ندين تمامًا لغة معاداة السامية التي سمعناها مؤخرًا وندين بالتأكيد كل خطاب الكراهية والتهديدات بالعنف هناك".. بحسب قوله.

ومع اقتراب موعد الامتحانات النهائية في الأسابيع المقبلة، أغلقت بعض الجامعات الأمريكية أبوابها وأصدرت تعليمات للطلاب بإكمال دروسهم عبر "الإنترنت".

ويطالب الكثير من النشطاء الذين يقفون وراء الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، وليس جميعهم من الطلاب، بوقف إطلاق النار في غزة، وأيضًا قطع الكليات لعلاقاتها مع كيان العدو الصهيوني.

ويشار إلى أن الحراك الطلابي داخل الجامعات الأمريكية انطلق من جامعة كولومبيا في نيويورك، عندما بدأ طلاب رافضون للحرب الصهيونية على قطاع غزة اعتصاما بحرم جامعة كولومبيا في نيويورك.. مطالبين إدارتها بوقف تعاونها الأكاديمي مع الجامعات الصهيونية وسحب استثماراتها في شركات تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية.

ومع تدخّل قوات الشرطة الأمريكية واعتقال مئات الطلاب، توسّعت حالة الغضب لتمتد المظاهرات إلى عشرات الجامعات بمختلف ربوع الولايات المتحدة، منها جامعات رائدة مثل هارفارد وجورج واشنطن ونيويورك وييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ونورث كارولينا.

ولاحقًا، اتسع الحراك الطلابي غير المسبوق في دعم فلسطين بالولايات المتحدة، إلى جامعات أخرى في عدة دول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأستراليا وكندا.. وغيرها من الدول العربية والإسلامية التي شهدت جميعها مظاهرات داعمة لتلك التي عرفتها الجامعات الأمريكية ومطالبات بوقف الحرب على غزة ومقاطعة الشركات التي تزود الكيان الصهيوني بالأسلحة.

وتشهد منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية والعربية والإسلامية تفاعلاً واسعاً مع الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية والذي امتد صداه إلى جامعات كندا ودول غربية وعربية، حيث امتدت الثورة الطلابية من الساحل الشرق إلى أقصى غرب البلاد.

ويقود مناهضو حرب الإبادة الصهيونية ضد قطاع غزة الاعتصام في حرم الجامعات الأمريكية والأوروبية، رغم ما تقابله الشرطة من حملة قمع ضدهم بطلب من إدارات الجامعات، ومدفوعة بحملة تحريض يتصدرها أعضاء بالكونغرس تتهم المحتجين بمعاداة السامية.

كما تصدّرت أوسمة باللغتين العربية والإنجليزية عبر منصات التواصل، شهدت جميعها آراء مؤيدة وأخرى شارحة لأهمية الحراك الطلابي الذي وُصف بـ"التاريخي" نظراً للمشاركين فيه وأهدافهم التي وصلت إلى حد المطالبة بإنهاء الاحتلال الصهيوني على الأرض الفلسطينية.

ويبدو أن الحراك الطلابي الحالي أعاد إلى الأذهان المشهد النضالي الذي عمّ الولايات المتحدة خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، حيث اندلعت احتجاجات طلابية هائلة داخل الجامعات، وعبّرت عن رفضها للحرب في فيتنام، ولنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وكان لتلك الاحتجاجات تأثيرات عميقة على المجتمع الأمريكي والمشهد السياسي، وأحدثت تحولات في نضال الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية.

وتعمل السلطات الأمريكية على التضييق على المحتجين، إذ اعتقلت الشرطة المئات في جامعات مختلفة، وأظهرت مشاهد جانباً من قمع الشرطة للمعتصمين في حرم جامعة إيموري بمدينة أطلنطا في ولاية جورجيا، ومن بين من تم اعتقالهن بطريقة وحشية، أستاذة الاقتصاد كارولين فوهين.. كما تم اعتقال رئيس قسم الفلسفة بذات الجامعة نويل مكافي، بعد مشاركتها في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين.

ووصل الحراك غير المسبوق إلى جامعة جورج واشنطن العريقة في العاصمة الأمريكية، التي أسسها أول رئيس للولايات المتحدة عام 1821.

وكشفت بيانات صادرة عن الأمن الجامعي، والشرطة في جامعتي كولومبيا وكاليفورنيا، أن الكفة تميل لصالح الطلبة في المفاوضات.. ورغم قول إدارة جامعة كولومبيا؛ إنها تبحث في خيارات أخرى لاستعادة الهدوء بالحرم الجامعي إذا لم تنجح المباحثات مع الطلاب، إلا أن الجامعة نفت بشدة أن تكون قد استدعت الشرطة لتفريق الطلبة.

وانهال عناصر الشرطة الأمريكية على أستاذة في جامعة مرموقة، ضرباً وتوبيخاً وطرحوها أرضاً ثم شدوا وثاقها أمام الكاميرات واقتادوها إلى المعتقل، غير عابئين بصراخها وهي تُطلعهم على درجتها الأكاديمية وتؤكد حقها في حرية التعبير.

وبحسب مراقبين لم تكن هذه الحادثة متخيلة قبل سبعة أشهر من الآن، فمن غير المعقول ضرب امرأة أمريكية بيضاء وأكاديمية أيضاً بأيدي حكومتها التي تبشر بالحريات، وتُصدر تقارير سنوية عن مدى احترام دول العالم لحقوق النساء.

ويرى مراقبون ومؤرخون وفلاسفة أن "طوفان الأقصى" جرف متاريس الوهم الإنساني والديمقراطي في الغرب وغسل مساحيق الحرية التي غطت وجوها على مدى عقود من الزمن.

ويقول الكاتب مازن النجار في مقال له على موقع الجزيرة نت: إن انتفاضة الجامعات الأمريكية مرحلة فريدة "في سياق التصدي الثقافي لمنظومة الهيمنة الإمبريالية على العالم"، حيث "كسرت بعض حلقاتها، وألهمت جماهير غفيرة في الغرب آفاقا إنسانية وروحية وأخلاقية جديدة بعز عزيز أو ذل ذليل ولو كره الكارهون".

ويضيف النجار: إن ما يحدث في الجامعات الأميركية "يطرح بقوة أسوأ كوابيس الصهاينة، وهو نزع الشرعية عن "إسرائيل" وترذيلها أخلاقيا، وخاصة لدى أجيال الغرب الشابة، فقد تصدرت الحراكات والمظاهرات جيل جديد من اليهود بالغرب نشأ في عائلات صهيونية راسخة لكنهم تمردوا على السردية الصهيونية لصالح سردية الحق والعدل".