حسابات خاطئة تُفشل "إسرائيل" في اليمن
السياســـية : تقرير || صادق سريع
"هجمات العدوان 'الإسرائيلي' على البنى المدنية في اليمن، تحوّلت رمزيتها إلى تجسيد الفشل الإستراتيجي لـ'إسرائيل'، وإثبات صمود اليمن وجرأة قواته المسلحة"، هكذا باتت في نظر الخبير والدبلوماسي والكاتب السياسي إلدار ما ميدوف.
وقال: "تعتمد إستراتيجية العدوان الإسرائيلي على اليمن على حسابات خاطئة، باستهداف المنشآت المدنية غير المؤثرة على العمليات العسكرية إسناد لغزة، ولا على خدمة الطاقة الكهربائية، في ظل اعتماد اليمنيون على مصادر الطاقة الشمسية والمولدات".
وأضاف في تحليل عميق بعنوان "لماذا لا تهزم 'إسرائيل' اليمنيين؟" بموقع مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" المملوكة لمعهد "كوينسي" للحكم الرشيد: "التقارير الميدانية تؤكد صمود القوات اليمنية، فمنذ وقف العدوان الأمريكي على اليمن، أعاد اليمنيون تموضعهم من جديد، ونفذوا مناورات بحرية وكشفوا عن أسلحة جديدة ونشروا أسلحة حديثة في الساحل الغربي والمناطق الجبلية".
وتابع: "في ردها الفوري بإطلاق صاروخ باليستي على 'إسرائيل' التي زعمت يافا اعتراضه، أثبتت قوات صنعاء العجز التام لسلطة الاحتلال، التي عززت هجماتها على المنشآت الخدمية من عزم اليمنيين وشرعيتهم الإقليمية في مقاومة العدوان 'الإسرائيلي'، مقابل زيادة العزلة الدولية للكيان".
وزاد: "الهجمات اليمنية المستمرة على ميناء أم الرشراش 'الإسرائيلي' الرئيسي على البحر الأحمر، أجبرته على خفض نشاطه بنسبة 90 بالمائة، ودفعه إلى حافة الإفلاس والإغلاق التام، ما دفع 'إسرائيل' إلى شنّ هجمات انتقامية لا هوادة فيها على البنية التحتية في اليمن".
وأشار إلى انضمام الولايات المتحدة إلى حملة العدوان 'الإسرائيلي' على اليمن، إلا أنها سرعان ما أدركت المأزق الإستراتيجي - إذ كيّف اليمنيون تكتيكاتهم أسرع من قدرات القوات الغربية على الرد بفعالية، مما أدى إلى حرب استنزاف باهظة التكلفة.
وأكد: إن العدوان الأمريكي الذي بلغت خسائره أكثر من مليار دولار، أثبت عدم فعاليته، مما دفع إدارة ترامب إلى السعي إلى وقف عدوانه على اليمن بوساطة عُمانية في مايو 2025، عبر اتفاق وقف إطلاق النار يحمي فقط السفن الأمريكية في البحر الأحمر، وترك "إسرائيل" عُرضة للهجمات اليمنية المستمرة.
وكان اليمن أعلن في نوفمبر 2023، إسناد غزة عسكرياً ضد العدوان الصهيوني، بمعركة "الفتح الموعود والجهاد المقدّس"، وفرضت قواته المسلحة حصارًا بحريًا على سفن "إسرائيل" والمرتبطة بها في بحار: الأحمر، والعربي، والأبيض المتوسط، والمحيط الهندي، حتى رفع الحصار ووقف العدوان الصهيوني على غزة.
وشنت "إسرائيل"، فجر 18 أغسطس 2025، عدواناً على محطة كهرباء حزيز جنوب صنعاء للمرة الرابعة، بهجوم بحري للمرة الثانية في العدوان الرابع عشر لاستهداف المنشآت الخدمية في اليمن، انتقاماً من موقفه مع غزة.
وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل" ودول أوروبية، شنّت عدوانًا جوياً وبحرياً على اليمن في 12 يناير 2024، بهدف تأمين حركة ملاحة السفن "الإسرائيلية" في البحر الأحمر، بأكثر من 950 غارة وقصفًا جويًّا، خلّف 250 شهيدًا و714 جريحًا من المدنيين.
واستأنفت واشنطن في 15 مارس 2025، عدواناً جوياً آخر على اليمن باسم عملية "الفارس الخشن" بأكثر من 1,500 غارة جوية استمر 53 يومًا، أدى إلى استشهاد 280 مدنيًّا، وإصابة أكثر من 650 آخرين.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ثلاثاء 6 مايو 2025، وقف العدوان على اليمن، ما يؤكد فشل عدوان إدارته في تدمير قدرات القوات اليمنية ووقف هجماتها على سفن "إسرائيل" ودول العدوان في البحر الأحمر.
وصفة الحل الوحيد!
والحديث لخبير الدبلوماسية الأوروبي: "يُصوّر زعيم حركة 'أنصار الله'، عبد الملك الحوثي، نفسه بشكل متزايد كقائد محوري في 'محور المقاومة' الإقليمي، مُحاكياً بذلك خطاب زعيم حزب الله اللبناني، الشهيد حسن نصر الله، الذي اغتيل بهجوم 'إسرائيلي' في الضاحية الجنوبية بلبنان".
وأضاف: "في خطاب ألقاه مؤخراً، صوّر الصراع بعبارات حادة تجاوزت اليمن، مُنتقدًا الحكومات العربية لـ'ضعفها المُخزي' في خضوعها للضغوط الأمريكية و'الإسرائيلية'، ومُقارنًا تقاعسها بتحدي اليمنيين".
وبرأي السياسي ما ميدوف، فالسيد الحوثي أرسل في خطابه الأخير رسائل مقصودة وفعالة، بإدانته قبول لبنان للمطالب الأمريكية بنزع سلاح حزب الله، واصفًا إياه بـ"خيانة للسيادة"، وسخريته من صفقات الغاز المصرية مع 'إسرائيل'، واصفًا إياها بـ"المفارقة المؤسفة" مقارنةً بمقاطعة صندوق الثروة السيادية النرويجي لـ'إسرائيل'، واتهامه القادة العرب بالصمت إزاء خطاب حكومة نتنياهو التوسعي حول 'إسرائيل الكبرى'، يضع اليمنيين في موقع القوة الوحيدة المستعدة لمواجهة 'إسرائيل' عسكرياً وإعلامياً.
وقال: "وبينما لا تزال 'إسرائيل' تعتمد على الحلول العسكرية العنيدة وتتجاهل الواقع السياسي الأساسي، فإن عمليات اليمن الداعمة لغزة ستستمر طالما استمر العدوان 'الإسرائيلي' على القطاع".
وفي المنظور العملياتي للكاتب: "يظل الحل الوحيد لوقف اليمنيين هجماتهم على 'إسرائيل'، هو وقف إطلاق النار الدائم في غزة، وهذا يؤكد المشكلة الأساسية، فالعمل العسكري لا يمكن أن يحل ما هو في جوهره صراع سياسي".
ووفق البعد اللوجستي، فإن التاريخ يقدم دروساً جلية، من حزب الله إلى حماس إلى اليمنيين، وإن الخصوم غير المتكافئين لا يستسلمون تحت القصف، بل يتطورون، في حين مسار 'إسرائيل' الحالي لا يبشرها إلا بعزلة أعمق، واستنزاف لمواردها، وصراع طويل الأمد.
أما الحقيقة المحسومة برأيه كخبير إستراتيجي ومرجع سياسي مخضرم، فتؤكد: "فشل 'إسرائيل' في تحقيق أهدافها في اليمن بعد أن تحوّلت هجماتها العدوانية إلى ضربات رمزية ضد البنية التحتية المدنية من دون تأثير عسكري حاسم، قد حوّلت اليمنيين من هدف عسكري إلى لاعب إقليمي بارز في معسكر المقاومة".
والخلاصة الحتمية في قراءته التحليلية تقول: "إن الإستراتيجية 'الإسرائيلية" القائمة على استهداف المنشآت المدنية والمدنيين تكشف عن سوء تقدير جوهري، وتؤكد أن 'إسرائيل' تعيد إنتاج أخطائها التاريخية في مواجهة المقاومة: القصف لا يضعف الخصوم غير المتكافئين، بل يجعلهم أكثر مرونة وجرأة، ويقود إلى مزيد من عزلة يافا واستنزاف مواردها".
وهكذا أنهى حديثه بالتساؤل: "القوة الحقيقية لا تكمن في التهديدات الفارغة، بل في كسر دوامة العنف، فهل سيتعلم القادة 'الإسرائيليون' هذا الدرس قبل أن يتدهور وضعهم الإستراتيجي على المدى الطويل أكثر!؟".
الحل غير الممكن في اليمن
بدوره، أكد موقع "فير أوبزرفر" الأمريكي فشل الحملات العدوانية بالغارات الجوية على اليمن في إضعاف اليمنيين أو إجبارهم على التفاوض، بل دفعتهم إلى المواجهة.
وقال: "إن عدوان التحالف العربي على اليمن في 2015، وما تلاه من عدوان 'إسرائيلي' وغربي بقيادة الولايات المتحدة على المنشآت الخدمية، قد فشلت في احتواء اليمنيين أو إضعاف قدراتهم العسكرية بأي نتائج ملموسة، فلا تزال القوات اليمنية متحصنة بترسانة كبيرة".
وأضاف: "يجب على الولايات المتحدة التوقف عن الحلول العسكرية، بانتهاج الدبلوماسية، واستغلال نفوذها على الأطراف المحلية والإقليمية، وتحديداً السعودية والإمارات، ودفعها نحو تحقيق السلام في اليمن".
وتابع: "إن إدراك الحقائق على الأرض لن يُضعف السلام، بل سيجعله ممكناً.. سيخدم هذا التحول المصالح الأمريكية والدولية، وتأمين ممرات الشحن في البحر الأحمر، واستعادة مصداقية واشنطن كقوة سلام".
وشنّ تحالف العدوان العربي العبري، بأكثر من 17 دولة بقيادة السعودية، عدواناً غاشماً على مناطق حكومة صنعاء في 26 مارس 2015، بما يزيد عن 274,302 غارة وقصف جوي على مدى ثماني سنوات، أدى إلى استشهاد 18,503 شهداء و32,353 جريحاً، بينهم 4,136 طفلاً شهيداً، و5,109 جرحى، ولا يزال الحصار الاقتصادي الظالم الذي يفرضه التحالف العدواني على اليمن مستمراً إلى هذه اللحظة.
ووفق رؤية خبراء الموقع، فإن الحل العسكري لا يمكن للعالم حلّ مشكلة اليمن من على ارتفاع 30 ألف قدم، إنه بحاجة إلى انخراط سياسي وعملية سلام أسرع بأهداف ونوايا حقيقية.
وخلاصة تحليل "فير أوبزرفر" تؤكد: "إن دعم مستقبل اليمن يتطلب أكثر من مجرد هدنة أو مساعدات إنسانية أو تبادل أسرى، بل بناء المؤسسات، وإدارة عادلة للموارد، ودعم الحوار بين جميع القوى السياسية، والاعتراف الصادق بمن يملك السلطة على الأرض".
وتستمر صنعاء بفرض الحظر الجوي بالصواريخ والمسيّرات على مطار اللد وميناء حيفا في "إسرائيل"، مع حصار بحري في البحر الأحمر على سفنها والمرتبطة بها، ما أدى إلى إغلاق ميناء أم الرشراش، وإغراق أربع سفن: "روبيمار" في 18 فبراير 2024، "توتور" في 12 يونيو 2024، "ماجيك سيز" في 8 يوليو 2025، "إيترنيتي سي" في 9 يوليو 2025.
ويُشار إلى أن القوات اليمنية المساندة لغزة استهدفت - بفضل الله وتأييده - بـ430 عملية عسكرية أكثر من 245 قطعة بحرية تجارية وحربية تابعة لأمريكا وبريطانيا و"إسرائيل"، في البحرين الأحمر والعربي، والمحيط الهندي، وأطلقت أكثر من 1,250 صاروخًا ومسيّرة على أهداف في عمق "إسرائيل".

