السياســـية: تقرير // صادق سريع


"عزكم في ذل اليمن، وذلكم في عز اليمن"، هكذا أوصى مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبدالعزيز آل سعود، أبناءه الـ64 الذكور في وصيته الأخيرة وهو على فراش الموت.

الوصية تعني حرفياً أن رخاء السعودية مرهون بيمنٍ ضعيف وممزق ومتخلف وتعيس لا سعيد كما كان، تعبث به الأزمات والحروب، مثل حاله اليوم، الشاهد على أن ملوك السعودية ينفذون الوصية بحذافيرها كإستراتيجية لتدمير اليمن.

ودائمًا ما يؤكد الملوك المتعاقبين على الحكم في السعودية بكلمات مفعمة بالود في خطاباتهم السياسية، حرص المملكة على سيادة ووحدة وأمن واستقرار اليمن وشعبه، بينما تسيطر وصية "عزكم في ذل اليمن" على عقولهم، وتحدث كثيرٌ من المآسي في اليمن الشقيق.

بالمفهوم العقائدي لأصحاب السمو في السعودية، يُعتبر اليمن الجمهوري الحديقة الخلفية، والتدخل في شؤونه من أولويات نظامهم الملكي، على مبدأ أن الوصية تُنفذ قبل الميراث، وهكذا يعتبر الفكر الوهابي اليمن من تركة الملك المؤسس لا تسقط بالتقادم على أحد من الأسرة المالكة.

أليس العدوان والحصار على اليمن حقائق دامية يرويها التاريخ كشاهد حي على تدخلات السعودية، التي تعكس حقد التاريخ المغلوط وطمع النفوذ الأعمى، والبلاء الطائفي المستورد بشراء الذمم وولاء القبيلة، وتجييش المليشيا والمرتزقة بأموال النفط لتقويض مشروع الدولة اليمنية الحديثة؟

ألم تتجاوز تدخلات المملكة حدود التاريخ والجغرافيا والإخاء والدين وحق الجوار ومواثيق المعاهدات الإنسانية والدولية، بالعدوان العسكري لثمان سنوات، والحصار الاقتصادي لعشر سنوات، الذي حوّل حياة 25 مليون يمني في المحافظات الحُرّة إلى سجنٍ كبير؟

وما تحالف السعودية مع دول العدوان الأمريكي والبريطاني والإماراتي و'الإسرائيلي' على اليمن إلا من تركة الوصية المشؤومة، لجعل اليمن بلدًا فقيرًا ووصيًا لقرار الخارج، وبلا سيادة ولا إرادة ولا قرار ولا حرية ولا هوية، ولا جيش وطني قادر على أن يحمي الشعب ويستعيد أراضيه المحتلة في جيزان ونجران وعسير منذ 1934.

ففي 26 مارس 2015، نفّذ حفيد الملك المؤسس، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قول الوصية: "تذكروا دائمًا أن ضمان رخائكم مرهون في بؤس اليمن"، وشن عدوانًا عسكريًا بتحالف 17 دولة وأمريكا وبريطانيا و"إسرائيل"، خلّف أكثر من 20 ألف شهيد وأكثر من 32 ألف جريح مدني، ودمّر كل مقومات الحياة في اليمن الشقيق.

ويحفظ أبناء المؤسس تفاصيل الوصية عن ظهر قلب، كوسيلة لتحويل اليمن الذي يُخشى تطوره إلى ميدان للفوضى وتصفية الحسابات الإقليمية، خوفًا من أن يتحول يومًا ما إلى قوة إقليمية تكبح نفوذ الملوك السعودية ومصالح المملكة في اليمن والمنطقة.

ومنذ عقود يتصرف ملوك السعودية داخل اليمن، كل ملك على هواه وحسب قوة شخصيته ونفوذه، لتحويل رؤساء وقادة ونُخب اليمن إلى مرتزقة وأدوات رخيصة تُدار بالأموال لإضفاء شرعية التدخل العميق في شؤون البلد المنهك، على طريقة الأقلمة والفدرلة للحكم وهيكلة الجيش، لكي لا يكون يمنًا قويًا موحدًا بدولة يمنية حديثة.