عيد جمعة رجب في اليمن.. محطة تاريخية لتأصيل الهوية الإيمانية
السياسية - تقرير: يحيى عسكران*
يحتفي اليمنيون كل عام بعيد جمعة رجب، تعبيراً عن الفرحة بنعمة الهداية، وتمسكاً بالهوية الإيمانية، وتأكيداً على استجابتهم لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بدخولهم في دين الله أفواجًا عبر مبعوث الرسول إلى اليمن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
تتجلّى مظاهر إحياء شهر وجمعة رجب في اليمن، بزيارات الأهل والأرحام، وارتداء الجديد، وذبح الذبائح، وإقامة الولائم والاحتفالات الدينية والمجتمعية في المساجد ومجالس الذكرى، بما يُرسّخ من الهوية الإيمانية وتجديد العهد والولاء والانتماء للدين الإسلامي الحنيف.
يستقبل أهل اليمن، الجمعة الأولى من شهر رجب بحفاوة عظيمة، لمكانتها الدينية في نفوسهم - ذكرى دخولهم الإسلام، فضلًا عن كونها جزءاً من موروثهم الثقافي وهويتهم الإيمانية التي ارتبطت برسالة الإسلام التي جاء بها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، إلى اليمن.
اعتاد اليمنيون، إحياء جمعة رجب بمظاهر احتفالية وابتهالات وموشحات دينية وإنشادية للتعبير عن حمدهم لله وشكرهم على نعمة الإسلام، بالإضافة إلى زيارة مدينة صنعاء القديمة، والجامع الكبير الذي بُني بأمر من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وعدد من المعالم الأثرية والتاريخية في صنعاء والحديدة وتعز وإب وغيرها من المحافظات.
الجمعة الأولى من رجب - ذكرى تعكس ارتباط اليمنيين العميق بالإيمان، وتؤكد دورهم التاريخي في نصرة الإسلام، ولا يقتصر على كونها مناسبةً تاريخية دينية، بل هو تعبير عن الامتنان لله عز وجل على نعمة الهداية، وتجديد للعهد بالإيمان والالتزام بقيم الدين الحنيف.
من دلالات ذكرى جمعة رجب، التذكير بأن أهل اليمن دخلوا الإسلام طواعية، دون قتال عبر دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي حملها الإمام علي عليه السلام، وتجديد ولائهم وانتمائهم لقيم الإسلام الحنيف وتمسكهم بالهوية الإيمانية، وإبراز دورهم التاريخي في نشر رسالة الإسلام إلى أصقاع المعمورة.
تسابيح رجبية
تزدان المساجد في اليمن منذ مطلع شهر رجب، وتحديدًا في صباح الجمعة الأولى منه، بالصلوات المحمدية والأذكار والتواشيح الدينية والتسابيح الرجبية، تعظيمًا لليوم الذي اعتنق فيه أهل اليمن الإسلام، وتنظيم فعاليات دينية من قبل هيئة الأوقاف والإرشاد، بالجامع الكبير في صنعاء، وتعز وزبيد والمدرسية الشمسية بذمار ومعظم مساجد الجمهورية.
يتم خلال الفعالية الاحتفالية إلقاء كلمات معبرة عن اعتزاز اليمنيين برسالة الإسلام التي جاء بها الإمام علي كرّم الله وجهه مبعوث رسول الله عليه الصلاة والسلام، عندما اجتمع بأهل اليمن في مثل هذا اليوم وقرأ عليهم رسالة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وآمنوا به، واستلهام الفضائل التي اعتاد اليمنيون على إحيائها بالذكر والتسبيح والدعاء وزيارة الأهل والأقارب وصلة الأرحام ومواساة الفقراء والمحتاجين.
يستذكر اليمنيون في الجمعة الأولى من شهر رجب، الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي وردت عنهم، بأنهم أهل إيمان وحكمة وإذا هاجت الفتن فعليكم باليمن، ويعتزون بهويتهم الإيمانية، ويستلهمون منها الدروس والعبر في مواجهة التحديات الراهنة وخوض معركة الجهاد في مواجهة أعداء الأمة وأئمة الكفر والمنافقين الذين يسعون لاحتلال اليمن.
أماكن احتفالية
تُبرز أماكن عظيمة يحتفل أهل اليمن فيها بعيد جمعة رجب - ذكرى دخولهم الإسلام، ومنها صنعاء القديمة التي تشتهر بفعالياتها الاحتفالية في المساجد والأماكن التاريخية، وأبرزها الجامع الكبير، إلى جانب مسجد الجند التاريخي في محافظة تعز الذي يُعد مكانًا تاريخيًا يُحتفل فيه بذكرى أول صلاة جمعة تقام في اليمن، ويشهد مظاهر احتفالية عظيمة.
ويتعاظم إحياء جمعة رجب في المدرسة الشمسية بمحافظة ذمار، في إطار الفعاليات الاحتفالية بالإيمان والإسلام ودخول اليمنيين في دين الله طواعية، وضمن حفاظهم على إرثهم الثقافي وهويتهم الإيمانية، إضافة إلى مدينة السدة في محافظة إب التي تمتد فيها الاحتفالات لتشمل عدة جُمع من شهر رجب.
ويعكس الاحتفال بعيد جمعة رجب عظمة وقدسية الذكرى التي تعد من أعز وأقدس الذكريات في تاريخ الشعب اليمني، ومن الصفحات البيضاء الناصعة في التاريخ الإسلامي، وهو ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله "الإيمان يمان والحكمة يمانية".
الجامع الكبير بصنعاء
يتوارث اليمنيون منذ القدم الاحتفال بعيد جمعة رجب، في المساجد والجوامع بإلقاء محاضرات دينية وإقامة حلقات ذكر، وفي المقدمة الجامع الكبير بصنعاء القديمة، والتجمع حول العلماء الأجلاء للاستزادة من العلوم الدينية النافعة، انطلاقاً من العادات المعززة للهوية الإيمانية.
وتُبرز أهمية الجامع الكبير بصنعاء في أنه يمثل قبلة اليمنيين الأولى التي تحتل مكانة عظيمة في نفوسهم، ويشكل في الوقت ذاته رمزًا للهوية الإيمانية التي عبر عنها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله "الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان".
تؤكد كتب التاريخ ومعظم الروايات، أن الجامع الكبير بصنعاء يُعتبر أول مسجد بُني في اليمن، وأول جامع بُني في الإسلام خارج مكة والمدينة، وثالث مسجد في الإسلام بعد مسجد قباء والمسجد النبوي، وما يزيده قدراً ومكانة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو من أمر ببنائه، وحدّد مكان تأسيسه واتجاه قبلته وسماه اليمنيون بـ"الجامع المقدس".
شرع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ببناء هذا الصرح العلمي والديني والإسلامي بعد دخول اليمنيين الإسلام على يديه في المكان الذي حدده له النبي الخاتم، وذكرت كتب السير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الإمام علي لما أرسله إلى صنعاء لدعوة اليمنيين للإسلام ببناء الجامع الكبير، فقام الإمام علي بتأسيسه وبنائه في بستان باذان بين الحجر الململم وغمدان، وبستان باذان هو البستان الذي كان ملكًا لحاكم اليمن آنذاك.
يُروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن تكون قبلة الجامع الكبير بصنعاء، باتجاه "جبل ضين"، وهو جبل يقع شمال مدينة صنعاء في مديرية عيال سريح بمحافظة عمران، يبعد عنه مسافة 32 كيلو مترًا ويعتبر الكثيرون تحديد الرسول الكريم لقبلة الجامع الكبير بهذه الدقة من الدلائل على نبوته وواحدة من معجزاته.
جامع الجند
تتوافد الحشود الجماهيرية من محافظة تعز ومختلف محافظات الجمهورية صباح يوم الجمعة الأولى من شهر رجب إلى جامع الجند التاريخي، لإحياء هذه الذكرى الدينية الجليلة، بفعالية احتفالية رسمية وإقامة حلقات ذكر ودراسات وبحوث ومحاضرات وندوات علمية وشرعية.
تتركز الفعاليات الاحتفالية في جامع الجند التاريخي، بمشاركة كوكبة من العلماء والأكاديميين ومشايخ العلم والدين، على عظمة جمعة رجب وفضائلها وتجديد الارتباط بالمنهج الرباني والهدي النبوي المحمدي والتمسك بالهوية الإيمانية الأصيلة.
وتُقام الفعاليات الاحتفالية بعيد جمعة رجب في جامع الجند، لمكانته وخصوصيته الدينية ولما يمثله من منارة علمية في نشر الإسلام كمنبر من منابر العلم، والتذكير بمبعوثي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي بن أبي طالب والصحابي الجليل معاذ بن جبل إلى اليمن.
وترعى السلطة المحلية بمحافظة تعز، الفعالية الاحتفالية بالذكرى في جامع الجند، لتعزيز قيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف وتأصيل الهوية الإيمانية الجامعة ومعانيها ومفاهيمها وأبعادها الثقافية والفكرية، وتعزيز مكانة عيد جمعة رجب في النفوس.
المدرسة الشمسية بذمار
تكمن أهمية إحياء ذكرى جمعة رجب في المدرسة الشمسية بمحافظة ذمار، كإحدى أبرز المعالم الإسلامية الثرية بالمعارف والغزيرة بالعلوم الدينية، فضلًا عن دورها المهم في نشر العلوم الشرعية واللغوية، وتخريج كوكبة من علماء اليمن والأدباء والشعراء المبرزين.
تحتل المدرسة الشمسية بمدينة ذمار خصوصية دينية في احتضان الفعاليات الدينية، بما فيها المناسبات وأبرزها إحياء عيد جمعة رجب، لكونها واحدة من الحواضن الدينية والتربوية وشعلة التنوير المعرفي لأبناء اليمن، فضلًا عن دورها في مجالات الأدب والفكر والثقافة والتأليف والوعظ والإرشاد الديني.
يظل اليمنيون يُحيون عيد رجب بتبادل الزيارات، خاصة في الجمعة الأولى من رجب وتقديم الهدايا، وذبح الذبائح وتوزيع لحومها على الفقراء والأقارب، وإقامة الولائم، وارتداء ملابس جديدة تعبيراً عن الفرح والسرور بهذه المناسبة الدينية الجليلة.
يقول عضو الهيئة العليا لرابطة علماء اليمن العلامة فؤاد ناجي، "احتفال اليمنيين بجمعة رجب، هو شكر لله على نعمة الإسلام وتجديد بالسير على العهد والهوية الإيمانية التي عنونها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما بلغه بإسلام أهل اليمن، فسلم عليهم ثلاثاً".
واعتبر دخول أهل اليمن في دين الله، نصراً مؤزراً لأمة الإسلام وتحولاً في تاريخ الرسالة وإضافة نوعية للأمة الإسلامية على يد النبي عليه الصلاة والسلام.
وأشار العلامة ناجي، إلى أن اليمنيين ظلوا يذودون عن الإسلام والإيمان حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلاقتهم وطيدة مع الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
بدوره قال عضو رابطة علماء اليمن الشيخ جبري إبراهيم، "يهتم أهل اليمن بإحياء جمعة رجب، فيقيمون لها الحفلات ويلبسون الجديد وتوزيع الحلويات، وكانت الأفراح في كل شارع، وتُذبح الذبائح وتعطى النذور لله عز وجل ابتهاجًا بدخول اليمنيين الإسلام".
وأشار إلى أن شهر رجب هو من الأشهر الحرم، ولليمنيين فيه مكانة ويخصهم ويُنسب إليهم، ما ينبغي لأهل اليمن والأمة أن يعتزوا ويفتخروا بهذه العقيدة والزخم العظيم والاحتفاء به، مبينًا أن من يدّعو للتخلي عن الاحتفاء بجمعة رجب إنما يدعو للتخلي عن العقيدة والدين.
وأضاف "الهوية الإيمانية هي أصل ديننا، وعندما تسمي الهوية التي هي البطاقة أو الجواز، المقصود بها التعبير عن ديننا، ومن نحن وإلى من ننتمي، فنحن ننتمي للإسلام وننتسب إلى اليمن الذي هو بلد الإيمان والحكمة، ولا ينبغي أن نتخلف".
وأكد الشيخ جبري إبراهيم، أن ذكرى جمعة رجب - فعاليات الهوية الإيمانية، يعتز بها الجميع، والاعتزاز بالهوية كما الاعتزاز بالعقيدة الإسلامية.
الجمعة الأولى من شهر رجب، يومُ أشرق نور الإسلام على اليمن، وكان عيدًا ليمن الإيمان والحكمة، يحتل مكانة خاصة في قلوب اليمنيين بمختلف مذاهبهم ومشاربهم عبر العصور.
سبأ

