أحمد يحيى الديلمي

 

أصبح الحديث عن الأسعار ممل وغير مجدي ، من تكرار الكلام عن الموضوع غدى مدعاه للبلاهة والسخرية ، كل مسئول يأتي يقف على حافة الكارثة دون الدخول إليها ، لم يقف أحد بجدية وحزم أمام هذه الظاهرة الخطيرة ، مع أنها تعبر عن انهيار في الأخلاق والقيم مع ذلك يظل الصمت سيد الموقف ، مبدأ تعويض المباع من السلع اختراع يمني أنفردنا به دون خلق الله جعل حركة صعود الدولار أمام العملة الوطنية محور للرضا والصمت ، الإشكالية أن التجار لا يعطون أدنى اهتمام لأي هبوط في سعر الدولار كأن الأمر لا يعنيهم ، وكلما يعنيهم هو الصعود لتظل الأسعار عند نفس المستوى من الصعود وتتفاوت من دكان إلى آخر ، رغم أكثر من قرار صدر عن الوزراء السابقين ومنها القرار الذي قضى بإشهار السعر على السلع ، إلا أن الغرفة التجارية استطاعت تسويف القرار وابتدعت المبررات التي أقنعت بها السلطات العليا بعدم جدوى القرار بحيث اقتنعت نفس السلطات بالمبررات على قاعدة ( الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) لنتأمل هذا القول المأثور الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه صورة أخرى من صور الفساد المتكرر والمتفشي في الواقع الذي كان سبب إحالة القرار إلى سلة المهملات وبقاء الأمور كما هي عليه من فوضى الأسعار والعبث بمعيشة البسطاء ، كيف لا وأي إجراء سيضر بحلم الانضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية الذي حتم تغيير القوانين والأنظمة ومنها تجريد وزارة الصناعة والتجارة من الرقابة على الأسعار ، حيث قضى القانون بعد تعديله بإلغاء قطاع الأسعار واعتماد حرية التجارة وإخضاع حركة الأسعار لمبدأ العرض والطلب . 

للأسف انعدام البنية التحتية للتطبيق في أرض الواقع جعل التحولات تصب لصالح طرف واحد ، وهم التجار في كل الفئات أما العامل الثاني الأكثر أهمية فيتمثل في إغداق التجار على من هم في مواقع السلطة بالهدايا والآتاوات ، في هذا الجانب يشمل العطاء من تركوا مواقع المسئولية ولدى التجار طرق ملتوية لإيصال العطاء إلى كل شخص في مواقع التأثير والفاعلية حتى من يكون على درجة عالية من النزاهة يدرج أسمه في كشوفات توزيع الزكاة للفقراء والمحتاجين ، كلما هل شهر رمضان على قاعدة الفتاوى التي أكدت عدم مشروعية أخذ الدولة للزكاة ، موضوع الفتاوى في هذا الجانب يطول شرحه وسنتطرق إليه لاحقاً ، المهم أن كل مسئول يمتن كثيراً من عطاء التاجر ويتحول إلى وكيل يتصدى للدفاع عنه عند كل ملمه ، إضافة إلى التبرعات النقدية  والعينية التي يقررها المسئولين غير مدركين أنها لا تمثل سوى الفتات من الأرباح الفلكية التي يجنيها التجار . 

هذه الفيروسات الخطيرة التي تسللت إلى عقول الكثيرين وأصبحت حاكمة للواقع ، هي التي تسمح لكل تاجر بأن يعتبر الوطن دكان للابتزاز والنهب وأن يعطي لنفسه جميع الحقوق ويجرد منها بقية الأطراف وفق تعريف منظمة التجارة العالمية ، والآخرين أغبياء متخلفون يسلمون بأعتبار ما يجري قدر محتوم في زمن العولمة ، في هذه الأجواء المغرقة في الابتزاز تفاقمت روائح الفساد والإفساد وأصبحت تزكم الأنوف ، كم يشعر كل مواطن يمني بالحزن والأسى نتيجة الإصرار على استمرار الظاهرة دون أدنى تقدير أو مراعاة للظروف الصعبة التي يمر بها الوطن في ظل العدوان الهمجي السافر والحصار الاقتصادي الجائر ، والتجار كأن الأمر لا يعنيهم ، ولا شيء يعكر صفوهم إلا ما يحبط مساعي الحصول على المزيد من الثروة والأبهة ، وإن على حساب معاناة البسطاء والفقراء، لأن مؤسسات الدولة المعنية سكتت عن ممارساتهم فقد توحشوا واصبح كل و احد لا يفكر إلا في نفسه ، وليذهب الفقير إلى الجحيم أو يقبل الإحساس بالذل والعار ويقف في طابور أمام منازل التجار لينال الفتات . 

أما قمة الكارثة فتتمثل في الطبقة التي أمتهنت التجارة مؤخراً ، الأمر بحاجة إلى خيال روائي يرسم قصة صعود هؤلاء وكيف اصبحوا رجال أعمال ، لكي تكتمل التمثيلية الرديئة يستميلون موظفين بإغراءات كبيرة تتجاوز عشرة أضعاف ما يحصلون عليه من الوظيفة ، وكل همّ هؤلاء هو اكتناز الأمول من أي مصدر وبأي وسيلة حيث صار لديهم مليارات من كل العملات ، ولا يوجد لأحدهم أسم في سجلات الجمارك لأنهم يمارسون التهريب ولا في مصلحة الضرائب وأنهم يدفعون الفتات وهم يصدرون ضجيج صاخب للتباهي بما وصلوا إليه مما جعل الناس يتسألون بحيرة وآلم من أين جاء هؤلاء؟! ماهي التجارة التي جعلت الأموال تتدفق عليهم بلا حساب؟! أسئلة كثيرة عن من أفسدوا حياة الناس وهم يختفون أمام أشكال ومسميات عديدة  . 

المشهد يشبه الكوابيس المزعجة ويحتاج إلى دراسة وتقييم من جهات الاختصاص.. والله من وراء القصد..