يحيى مقبل*

عنف السعودية تجاه اليمن بات يتعدى العنف الذي ينخرط فيه ذكور بعض الاجناس الحيوانية أوقات التزاوج الجنسي للحظوة بالأنثى .

فاستمرارها في الحرب والحصار لم يعد من اجل الوجاهة والهيمنة ، لأنها باتت تُهان وتتضرر بشكل جسيم في ظل غياب أي مؤشرات تدل على ضعف أو استسلام خصومها ،فيبدو عنفها الموجه ضد خصمها اليمن كما لو كان عنفًا ضد كيانها ، فبنك أهدافها في اليمن قد نفدت ، فلم يعد لدى اليمنيين ما يخشون خسارته ، وفي نفس الوقت لا يفتقرون لوسائل الردع التي تؤلم السعودية . فيبدو عنفها ضد خصمها كما لو كان عنفًا تعنف به نفسها ،لقد اصبح عنفها غير مشروط ولا موجه ، كما عاشق خاب حبه فبدأ الشروع بإجراءات الانتحار.

هكذا يبدو النظام السعودي سائر لتدمير ذاته . فلم يعد يوجد أي مصلحة سعودية يمكنها ان تستخدم كمبرر لاستمرار عدوانها بعد تزايد قدرات خصومها في اليمن واثبات قدرتهم على استهداف أهم منشآتها الحيوية وبعد استياء الكثير ممن كانوا مؤيدين وداعمين للحرب ،اضافة لتزايد الضغوط الامريكية على ولي العهد غير المرغوب فيه من قبل ادارة بايدن وما يقال عن شروع واشنطن بسحب بعض قواتها من السعودية وتفاقم المشاكل الداخلية التي تعاني منها المملكة والانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والفقر .

يُقال ان “المظهر البراق للقوة التي لا تُهزم يخفي وراءه عملية انتحار بطيء تقدم عليه المجتمعات العسكرية وهي منساقة وراء نشوة انتصاراتها المتواصلة ” . وهذا شيء نفهمه فالإنقياد وراء الفتوحات والانتصارات وماتسبب من نشوة تؤدي الى انهاك وتحطم مدو .

لكن المفارقة ان السعودية قد باتت خالية من أي مظهر براق للقوة وتفتقد لنشوة الانتصارات ومع ذلك تستمر في حربها ، فمنذ السيطرة على الجنوب وهي تراكم الخيبات والهزائم ،خيبة بعد خيبة وهزيمة تتلوها هزيمة اشد وانكي . فقد باتت مصالحها معرضة لخطر كبير من جراء مراكمة خصومها في اليمن للمزيد من الخبرات وتكديس المزيد من وسائل الردع .

صحيح ان الرياض حين ترى نفوذها يتضاءل امام التركي والإيراني الذين ترى انهما يزاحمانها في المنطقة ، وترى انها بعد ست سنوات من الحرب المكلفة والمرهقة لم تستطع اعادة نفوذها في اليمن الى سابق عهده ،ينتابها الشعور بالإهانة وفقد المكانة .

وان هذا الغرور المهان والمداس يدفع بها للاستمرار في هذه الحرب العبثية ، ولكن ذلك ليس كل شيء وراء استمرار الحرب على اليمن .

فلقد اصبح عدوان تحالف السعودية على اليمن محكوما بأحداث تجري بعيدا في الخارج على صعيد اقليمي وعالمي أكثر من أي يوم اخر. وان البيئة السياسية الدولية وطبيعة النظام الدولي الذي يشهد تبدلا في طبيعته بات يلعب الدور الأبرز في صيرورة هذا الصراع السعودي اليمني ، وإن وضع السعودية و اليمن في بيئة السياسة الدولية وما تحوزان في النظام الدولي من أهمية سواء من حيث الموقع او الثروات ، أهم من أي شيء آخر لتحديد ورسم سيرورة الصراع السعودي اليمني . فالبيئة السياسية الدولية وأقطاب النظام الدولي المتعددة وسعي الأقطاب الحثيث لاستقطاب المزيد من الوحدات الدولية لا سيما تلك التي تتمتع بخواص استراتيجية وازنة من حيث الموقع او من حيث ما تتيح من فرص وامكانات للإستثمار والتعاون . فالقطب الامريكي البريطاني الاسرائيلي السعودي الإماراتي لا يقبل بسهولة بدولة يمنية ،تتحكم في واحد من ابرز الممرات الملاحية في العالم وتطل على البحر العربي و المحيط الهندي اضافة للبحر الأحمر ولشعبها ثقافة تعلي من قيمة الإستشهاد والتضحية، وتكون مع كل ذلك معادية للسياسات الامبريالية الجشعة ومعادية للتطبيع ولديها نزعة للإستقلال السياسي والإقتصادي وتوق للإتجاه شرقا . ان الأمريكي و معه القوى الدولية المنحازة للقطب الأمريكي لا تحبذ فقدان وحدة دولية ،اسمها اليمن، من بنيان قطبها ،ولها أهمية وتتيح امكانات استراتيجية ، لأن ذلك ضعف في بنية القطب وتضاءل لإمكاناته وبالتالي وضع للقطب في موضع ضعف في الصراع من أجل القوة ،و يحاول هذا القطب الإبقاء على اليمن او على جزء منه ضمن بنيان القطب عبر الرياض ودبي ، وذلك لما لليمن من أهمية جيواستراتيجية في الصراع مع القطب الصيني الذي يولي لليمن اهمية في الربط التجاري ضمن مشروع الحزام والطريق .

ولو ان لليمن اليوم في ظل هذا الوضع الدولي ، كيان واحد يُسيِّر أموره، لكان من العسير عليه الإفلات من تبعات ما يفرضه طبيعة النظام الدولي. هكذا يبدو ان اليمن بات يرتع في قيود النظام الدولي .

إن تشديد الحصار وربطه في مفاوضات مسقط، وهو يتعلق بالجانب الانساني ،بالملف العسكري لا يحمل حقا معنى ما يتضمنه من انتهاكات انسانية واخلاقية جسيمة ، وتفسير ذلك يجب ان يكون على صعيد الصراع الدولي و الإقليمي على القوة .

فتزايد النفوذ الصيني في المنطقة من خلال ابرام اتفاقيات ضخمة كالتي ابرمت مع ايران مؤخرا يؤكد انها ماضية في مشروع الحزام والطريق مع دول أخرى تشمل اليمن وهذا بالتأكيد لا يريح واشنطن التي ترى بأن الصين وايران وروسيا تخطط للهيمنة على الشرق الأوسط .

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع