هل تخرج جبهة المقاومة العربية الإسلامية أميركا من المنطقة؟!
حماد صبح*
قال العميد قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في المؤتمر الدولي لجبهة المقاومة الذي التأم في الخميس الفائت في طهران : ” سيتم اقتلاع جذور أميركا من المنطقة.”. وأن ” على الأميركيين الخروج من العراق”. أي بالتي هي أحسن. وإلا ” فستقض جبهة المقاومة مضاجعهم. وحينها سيغادرون العراق أكثر خزيا من مغادرتهم أفغانستان. “.
ونبرة قاآني. مثلما هو واضح. حازمة واثقة إلى مستوى القطع واليقين. فما احتمال إخراج جبهة المقاومة العربية الإسلامية أميركا من المنطقة ؟!
وهل معقول أن قاآني يهدد بما لا يُستطاع تحقيقه ؟! تاريخ التواجد الأميركي في بعض مناطق العالم اعتمادا على القوة العسكرية المباشرة يبين أن أميركا تخرج متى وجدت مقاومة عنيدة متحدية لوجودها. حدث هذا في فيتنام في النصف الأول من سبعينات القرن العشرين. وحدث في أفغانستان في أغسطس 2021. أي منذ أربعة أشهر إلا أن الوجود الأميركي في المنطقة العربية يختلف عنه في فيتنام وفي أفغانستان على تمايز في درجات الاختلاف بين الدولتين. في المنطقة العربية هو قائم برضا كل دول الخليج العربية ورجائها وبرضا دول مثل مصر والمغرب وبعض القوى في العراق.
وهو لا يكلفها شيئا وإنما يعود عليها بالمال الوفير والنفوذ الكبير. وهناك دوره في تأمين إسرائيل. وفوق هذا هو جزء من الصراع القديم مع الاتحاد السوفيتي. وحاليا جزء من الصراع مع روسيا. وإن يكن ليس في حدة وقوة الصراع مع الاتحاد السوفيتي. هذا الاختلاف بين الوجود الأميركي في المنطقة العربية والجود الأميركي في فيتنام وأفغانستان يؤدي إلى تثبيته في المنطقة العربية وإطالة أمده ولو تبدلت بعض مظاهره. فسيبقى التزام أميركا بحماية دول الخليج وتأمين إسرائيل. ولابد لهذا الالتزام من وجود عسكري معين إلا أنه يمكن القطع بأن جبهة المقاومة العربية الإسلامية ستخرج أميركا من العراق أولا ومن سوريا تاليا أو بالتزامن.
وحديث أميركا عن ترك المنطقة والانصراف إلى مواجهة الصين قرب حدودها يجب الحذر من أخذه على مطلقه. فالصين موجودة في الشرق الأوسط وفي أفريقيا باقتصادها وتجارتها ومشاريعها التنموية وخبراتها. وأميركا عاجزة عن منازلتها في هاتين المنطقتين اللتين كانتا زمنا طويلا ساحتي نفوذ أميركي متنوع. وأكبر براهين عجز أميركا عن التقليل من نفوذ الصين فيهما أنها لم تستطع صرف إسرائيل التي تتنفس هواء حياتها من أنف أميركا عن توثيق علاقاتها بالصين. فكيف ستضعف الصين في مجالها الحيوي الأقرب ؟!
والمقطوع به أن الصين ماضية في استعادة تايوان إلى الوطن الأم. وهذا قرار وطني صيني لا تردد فيه ولا ارتداد عنه. ونفس الصينيين طويل مثل نفس الإيرانيين. وليس قصيرا مثل نفس الأميركيين مع الفرق في أهمية تايوان للبلدين التي ترجح لصالح الصين. فهي إن كانت لأميركا قضية نفوذ متنوع هي للصين قضية وحدة تراب وسيادة وطنية.
ولو سنحت لأميركا صفقة مربحة حولها مع الصين فستعقد هذه الصفقة وتتخلى عنها. وثمة مؤثر فائق التأثير في حسْر النفوذ الأميركي في العالم هو الأزمات والمشكلات الداخلية التي فجرتها انتخابات 2020. وكان أظهرها اقتحام الآلاف من انصار أتراب للكونجرس في 6 يناير لمنعه من إقرار فوز بايدن فيها. واحتد التلاسن بين الطرفين في الذكرى السنوية لذلك الاقتحام الغريب عن القيم الدستورية والسياسية الأميركية الذي أقحم فيها عبارات ومصطلحات من العالم الثالث مثل ” تفضيل المصلحة الشخصية على مصلحة البلاد ” في حديث بايدن عن ترامب.
ووصف هذا لفوز بايدن في الانتخابات بالمزور. والمتوقع أن يحدث في انتخابات 2024 أسوأ مما حدث في اتنخابات 2020. هذه الأزمات والمشكلات الداخلية ستدفع السياسة الأميركية والشعب الأميركي إلى الالتفات للداخل أكثر مما سبق. وعلى مدى تاريخ أميركا كان فيها من يدعون إلى الابتعاد عن مشكلات العالم ونزاعاته. أو في الأدنى تقليل الانغماس فيها. وهؤلاء لم يرحبوا باختيار نيويورك مقرا رئيسيا للأمم المتحدة. وحسبوها مؤامرة عالمية على بلادهم. صحيح أن لا أحد يمكنه الانعزال عن العالم اليوم بالمفهوم الذي أراده دعاة الانعزالية الأميركيون في زمانهم. إنما تيارهم موجود. ودواعي الاستجابة لقدر من مطالبه فاقمتها أزمة الانتخابات السابقة وزيادة العنف في المجتمع الأميركي الحالي.
ومن الغفلة عدم إيلاء تحذير جيمي كارتر الرئيس الأميركي الأسبق من حرب أهلية أميركية بعد ما فعله ترامب وأنصاره وما يخططون لفعله. نهر التاريخ لا يكف عن الجريان. يتئد حينا ويسرع حينا. ويزيح في جريانه من سطحه أمما. ويحل مكانها أمما أخرى. وكلما أسرع أسرعت الإزاحة وأسرع الإحلال. وهو اليوم في ذروة سرعته. وأميركا وإسرائيل ومن دار في فلكهما من ضعاف الدول أقرب إلى الإزاحة من سواها. وجبهة المقاومة العربية والصين وروسيا أقرب إلى الإحلال.
***
” ربما يؤدي تحرير الولايات المتحدة من عبء إسرائيل إلى إنهاء كل الحروب في الشرق الأوسط التي كانت واشنطون تشنها رغم حقيقة أنه لا أحد يهددنا نحن الأميركيين في المنطقة. ولا مصلحة لنا من أي نوع في إطالة ألم بقائنا فيها. “. من مقال مطول للمؤرخ يونس ألكسيس في موقع ” v t ” الأميركي. ترجمته سابقا.
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع

