خالد الهواري*

وصلنا الى مرحلة علانية من الانبطاح والانكسار لم تعد تجدي فيها تقديم النصيحة على استحياء، والاشارات التي تحتاج قراءتها تفسير المخفي بين السطور وكأننا نحن الضحايا نخشى ان نقول للمجرمين انتم قتلة حتى لا نرهق اعصابهم ونجعلهم يعرفون حقيقتهم ويشاهدون دماءنا المسفوكة على اياديهم، اصبحنا على كثرتنا كغثاء السيل، دماءنا رخيصة تسيل كالماء ولا نجد من يعزينا في موت انفسنا.

لم تعد سياسة مراعاة الالقاب والحسابات والتوازنات التي يمارسها رؤساء تحرير الجرائد ومصادرتهم لصرخاتنا ستجعلنا نصمت ونتراجع ونرفع ايادينا الى السماء وندعو الله عليكم ونحن مكسورين بأوجاعنا مثل العجائز، اذا كان رهانكم على مصادرة آراءنا، واغلاق نوافذ التعبير عن اوجاعنا هو ما يجعلكم لا ترتعدون ولا تتراجعون عن كسر كرامتنا وكبرياءنا ومساومتنا حتى نأت اليكم بعد ان حاصرتمونا صاغرين زاحفين نعلن التوبة عن رجولتنا فانتم لا تعرفوننا ورهانكم خاسر، نحن ايها المجرمين لا نستسلم لمن يمارس علينا التعذيب الجسدي والنفسي، سنكتب على جدران الشوارع، سنصرخ حتى في داخل انفسنا، نحن شعوب بسيطة لا تعرف النفاق والمجاملة والخداع، نحن شعوب مقهورة، ولسنا دبلوماسيين ومفكرين وفلاسفة لنتعامل مع القتلة والمجرمين الذين سفكوا دماءنا واستباحوا كرامتنا بأسلوب لا يستحقونه من الاحترام في نفس الوقت الذي يبيعون هم كرامتهم في المحافل الدولية، ويعرضون خدماتهم ومؤامراتهم على ابناء جلدتهم مجانا في اسواق النخاسة السياسية، نحن نكتب من اجل ان نعلن لهؤلاء المجرمين اننا لازلنا احياء حتى في قبور اليأس والاحباط، نكتب ولا يعنينا ان تنشر الجرائد كلماتنا او تصادرها، نكتب ليسمع التاريخ صرخاتنا.

محاولة اصلاح نتائج الكوارث التي اسقطت الامة العربية وشعوبها في مستنقعات اليأس بالحديث السياسي والكلمات المزخرفة تعتبر جريمة، جريمة لان هؤلاء الخونة الذين يعربدون في اشلاءنا لا يستحقون غير ان نواجههم بحقيقتهم، ان نصرخ في وجوههم ايها القتلة نحن لا نعرفكم، انتم غرباء عنا، انتم مثل النبت الشيطاني الذي تسلق على تاريخنا، افسدتم علينا ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، قتلتم اباءنا بالطعام الملوث، والدواء الفاسد، اجبرتم بكلاب حراستكم التي افسدت حتى الهواء فلذات اكباد الوطن ان تتحول الي وليمة لا سماء البحر، وهم هاربين في مراكب الموت يبحثون عن كرامتهم وحريتهم في مجاهل المنافي.

ما هذا القهر والانحطاط الذي اصبح واقعا يعربد فينا، يستبيح كرامتنا ونحن مستسلمين خاضعين، وجعل هؤلاء المجردين من رجولتهم الذين يتوارثون الحكم والشعوب والثروات يتصدرون المشهد كقادة وزعماء؟

هل تجرد العالم من انسانيته وماتت النخوة والمرؤة العربية والاسلامية واصبحنا ونحن نشاهد اطفال اليمن يموتون جوعي ويهود العرب يفتحون القصور ويقيمون الموائد للصهاينة الملوثة اياديهم بدماء الابرياء، هل اصبحنا مثل قطيع الاغنام تسوقه الانظمة الخائنة الى مذبح الصمت المهين؟

انه العار الذي يكلل الرؤوس ونحن نشاهد اطفال اليمن يموتون جوعي فلا تنشق القوب حزنا عليهم. انه العار الذي سوف يلاحقنا ونحن نشاهد البيوت والمساجد والمدارس في اليمن الدولة العربية التي لم تعادي احد ولم تعتدي على احد تدك بالصواريخ وتتحول الى ركام فوق رؤوس الابرياء وقاتليهم يرفلون في نعيم القصور التي تحولت الى مستنقعات لوحل الخضوع المهين لا عداء الشعوب العربية.

انه العار الذي سيظل يلاحقنا جيلا بعد جيل، الجريمة التي ستعلن للقادمين في زمن اخر عن مأساة تكريم الضحايا لقاتليهم، عن شعوب كانت تأكل وتشرب وتنام واشقاءهم في العروبة جفت جلودهم واصبحوا ينتظرون الخلاص بالموت الكامل.

– عضو الاتحاد السويدي للأمم المتحدة
– عضو منظمة العفو الدولية “الامنستي”
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع