في زمن الأنصار ... صنعاء تستعيد مكانتها الدولية في نصرة الأمَّة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
لم تكن صنعاء - عبر التاريخ - عاصمةً هامشية، بل كانت سبَّاقة في ميادين السياسة ومناصرة أشقائها العرب والمسلمين، ولم تتراجع مكانتها تلك إلا في زمن العمالة والخنوع، وهي مرحلة قصيرة نسبياً بالمقارنة مع ما سبقها من تاريخ مشرف، وربما مرَّت اليمن بأحداث كبرى أثبتت فيها جدارتها، كما هو حال المرحلة الراهنة التي نعيشها اليوم في ظل قيادة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي.
ويذكر التاريخ الحديث أن صنعاء كانت حاضرةً في نصرة الشقيقة الكبرى مصر، إبان مجابهتا الحملة الفرنسية، أواخر القرن الثامن عشر، ويشهد بذلك مؤرخ اليمن الكبير لطف الله جحاف، الذي وثَّق النفير اليمني لنصر أرض الكنانة، بدءاً من التحشيد المحلي بالمال والرجال، قبل إعلان الجهاد العام من أرض الحرمين، وما تبعه من نفير واسع باتجاه الديار المصرية.
وقد ذكر "الجبرتي"، مؤرخ مصر في تلك الحقبة، كيف أسهمت الحملة الإسلامية بقيادة اليمن في دحر الحملة الفرنسية، وكسر شوكة قائدها نابوليون بونابارت، الذي لاذ بالفرار، جاراً خلفه أذيال الهزيمة.
ومن المعروف أن الثورة الفرنسية عام 1789، كانت ذا توجهٍ استعماري يطمح في احتلال الديار الإسلامية، ولكن بأسلوب حديثٍ يختلف عما سبقه من الحملاتِ الصليبية التي غلب عليها الهمجية والتعصب الديني في السر والعلن، وارتكب خلالها الأوروبيون جرائم مروعة، وإبادة جماعية لمدن بأكملها.
كانت الحملة بداية للمشروع الصهيوني الجديد، ومقدمة لاحتلال المقدسات الإسلامية مرة أخرى، لكن بشعار المدنية والحداثة، وجلب التحضر للعالم العربي، وقد زعم حينها نابوليون أنه اعتنق الإسلام لكسر الحواجز بين الشرق والغرب، وقد انطلت خديعته على كثير من رجال الدين والزعماء العرب، إلا أن إمام اليمن – المنصور علي- كان حاضراً بقوة لإحباط تلك المؤامرة، مؤكداً للأمة بأن أهل الكتاب غير جديرين بالثقة والاحترام، وأن تحركاتهم تنتهي باحتلال البلاد الإسلامية، وامتهان أهلها.
وخلال الحرب العالمية الأولى، حذر الإمام يحيى حميد الدين، رحمه الله، العرب من التعاون مع الاحتلال الإنجليزي ضد العثمانيين، رافضاً في الوقت ذاته تلقي أي دعمٍ إنجليزي لمقاتلة الأتراك، وقد دفع ثمن ذلك الموقف المشرف بتعرض البلاد لسلسة من التمردات الداخلية والاعتداءات الخارجية، بدعم وتمويل الإنجليز، كان أسوأها على يد جماعة الإخوان التي استغلت تسامحه معها ونفذت اغتياله في فبراير 1948.
ومثل هذه المواقف غُيبت عن التاريخ العربي المعاصر، والهدف إبقاء اليمن في وضعية هامشية، ومنع استعادته لمكانته الطبيعية التي كانت محط إعجاب ودراسة المنصفين من أبناء الأمة، كالباحث المصري الدكتور مصطفى سالم، الذي حقق مجموعة من المراجع التاريخية، مثل "درر الحور العين في سيرة الإمام المنصور علي وأعلامه الميامين"، وغيرها.
ونحن اليوم نعيش مرحلة عظيمة من تاريخ اليمن المشرف، علينا أن نستذكر دور بلادنا المحوري في نصرة قضايا الأمة، وأن اليمن - بقيادة أعلام الهدى من آل البيت - سيكون مدداً وناصراً لكل الشعوب المستضعفة، وفي مقدمها الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة.
وقد أدرك الغرب خطورة الأمة إذا تولى أمرها آل البيت، فعمدوا إلى محاربتهم من الداخل عبر التضليل الديني والإعلامي، وعلى يد أفراد وجماعات موالية للصهاينة، مثل الوهابية وجماعة الإخوان، وغيرها من دعاة التحضر والعلمانية الساعية لاستعباد الأمة وتدجينها لأعدائها بدواعٍ تضليلية.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب