نوال النونو*

ممنوع الهبوط في مطار "بن غوريون" الدولي.. هذا ليس ناتج عن سوء الأحوال الجوية، أو لاضطراب سياسي داخل كيان العدو، بل هو قرار يمني سيادي، يأتي في إطار المساندة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية، وتجويع وتعطيش لا مثيل له من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ينتقل اليمن إلى خطوة هامة، فبعد نجاحه في فرض حصار بحري خانق على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، يأتي الآن قرار حظر الملاحة الجوية، بغية مراكمة الضغط على "إسرائيل" لإيقاف العدوان، وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، فخلال الأيام الماضية استهدف اليمن بعمليات نوعية تجاوزت أكثر من 3 عمليات مطار بن غوريون بصواريخ باليستية من نوع ذو الفقار، والفرط صوتي، وأحدثت حالة من الخوف والقلق لدى المستوطنين.
كان من تداعيات هذه العمليات، إعلان العديد من الشركات عن تأجيل أو إيقاف رحلاتها إلى المطارات الإسرائيلية، ما يعني نجاح جزئي لقرار اليمن بفرض الحصار الجوي على الكيان المؤقت، وهي خطوة تسبب لحكومة العدو الكثير من القلق والإحباط، وذلك لعدة أسباب، من أبرزها صعوبة التعامل مع الجبهة اليمنية المساندة لغزة، لقوتها وصلابتها، من ناحية، وبسبب البعد الجغرافي من ناحية أخرى.
ما يضاعف من القلق الإسرائيلي، هو إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن اتفاق تضمن وقف العدوان الأمريكي على اليمن، مقابل أن تتوقف القوات المسلحة اليمنية عن استهداف حاملات الطائرات والقطع الحربية الأمريكية في البحرين الأحمر والعربي، حيث ساهم هذا الاتفاق في تحييد أمريكا عن دعم "إسرائيل"، لتتحول المواجهة مباشرة بين اليمن وكيان العدو مباشرة.
من الأدوات الهامة التي تمتلكها اليمن للضغط على "إسرائيل"، لإيقاف العدوان على قطاع غزة، هي الحصار البحري والجوي، والذي يتم من خلال استخدام الأسلحة الاستراتيجية المتنوعة التي يمتلكها اليمن، وفي مقدمتها الصواريخ الفرط صوتية، والصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة، وهي أسلحة أثبتت جدوايتها خلال الجولة الأولى من المواجهة بين اليمن وأمريكا، وخلال الجولة الثانية، وخرج منها اليمنيون منتصرين رافعي الرأس.

بنك أهداف فقير لـ"إسرائيل"

وأمام هذا المأزق للإسرائيليين في حربهم مع اليمن، فإن أكبر معضلة تواجههم، هي وجود بنك أهداف متواضع للرد على اليمنيين، إضافة إلى المسافة الجغرافية البعيدة والتي تزيد عن ألفي كيلو متر، وهذا يسبب الكثير من الإنهاك والتعب للقوات الجوية التابعة للعدو، حيث لا تجد أهدافاً لإيلام اليمنيين، فمطار صنعاء الدولي على سبيل المثال، قد تعرض للقصف عشرات المرات منذ عام 2015م، إبان العدوان السعودي الإماراتي، والموانئ اليمنية في الحديدة غربي البلاد هي الأخرى تعرضت للقصف مرات عديدة، كما أن المصانع والمعسكرات سبق وأن تم قصفها، وبالتالي لم يعد هناك ما يشكل عامل ضغط على اليمنيين لإثنائهم عن مساندة غزة.
في المقابل، تمتلك القوات المسلحة اليمنية الكثير من أوراق الضغط على كيان العدو، ولديها بنك أهداف واسع، بدءاً من استهداف المطارات، ومحطات التحلية، والمواقع الحيوية في [تل أبيب] و[حيفا] و[ايلات]، وتستطيع الحاق الأذى على العدو، واجباره على إيقاف غطرسته في قطاع غزة.
تأثير الحصار اليمني على مطار بن غوريون بات الشاغل لوسائل الإعلام العبرية، فصحيفة معاريف على سبيل المثال أكدت عبر مسؤول بارز في المطار أن شركات الطيران الدولية لن تعود إلى الأجواء "الإسرائيلية" ما لم يتحقق تحول واضح في المشهد الأمني، مشيرة إلى أن المطار سيظل شبه مهجور حتى في فترات الذروة مثل موسم العطلات الصيفية.
هذا التدهور دفع وزيرة النقل في حكومة الاحتلال "ميري ريغيف" إلى عقد اجتماع طارئ مع ممثلي شركات الطيران المحلية مثل "إل عال ويسرائير وأركيا وإير حيفا" بهدف إيجاد حلول لإعادة آلاف الإسرائيليين العالقين في الخارج بعد توقف حركة الطيران الدولية، حيث وضحت الوزيرة خلال الاجتماع أن أسعار تذاكر الطيران ارتفعت بشكل غير مبرر، وهو ما يزيد الضغط على المسافرين مع انهيار عدد البدائل المتاحة.
ووفق إحصاءات متعددة، فإن عدد شركات الطيران التي ما زالت تعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة انخفض إلى النصف كما تراجعت حركة المسافرين اليومية من سبعين ألفًا إلى أربعين ألفًا إثر العمليات اليمنية على المطار، وهو مؤشر يعكس مدى الضرر الذي لحق بالمطار جراء هذه العمليات النوعية والمؤثرة.
الخيار المتاح أمام العدو الإسرائيلي هو في إيقاف العدوان ورفع الحصار على قطاع غزة، وهذا ان حدث فإن اليمن سيتوقف على الفور، ولن يتعرض للملاحة البحرية أو الجوية داخل كيان العدو، غير أن المجرم نتنياهو لا يزال حتى اللحظة يكابر، ولا يريد الاعتراف بالهزيمة، والإقرار بقوة الموقف اليمني، مع أن ترامب وإدارته قد فهموا الدرس جيداً، وتخلوا عن مساندة الكيان الصهيوني.
وفي حال نجح اليمنيون في مهمتهم، فإنهم سيدخلون التاريخ من أوسع أبوابه، وسيكون الجيش اليمني هو أول جيش عربي من خارج سياج حدود فلسطين المحتلة الذي يلقن العدو الإسرائيلي أقسى هزيمة، ونحن هنا نستثني حزب الله كحركة مقاومة لقنت الصهاينة دروساً كثيرة، وألحقت بهم الهزائم المتعددة.
كل المؤشرات، توحي بالتورط الحقيقي للعدو الإسرائيلي أمام اليمن، وأنه لا خيار أمامه سوى الإذعان لقرار اليمن، ما لم فإن مطار بن غوريون سيتوقف تماماً عن الحركة، تماماً كما حدث لميناء [إيلات] جنوبي فلسطين المحتلة، فاليمن لا يعلن قراراتها غير مدروسة، وهو عندما أعلن الحظر الجوي على كيان العدو، يدرك جيداً أنه سيفلح في ذلك لما يمتلك من أدوات ضاغطة في هذا الجانب، وشجاعة في الموقف، وعدم الخشية من الرد الإسرائيلي، وهذه عوامل متعددة تجعل اليمن يقترب من عتبة النصر الكبير، وهو انتصار لن يحسب لغزة وفلسطين المحتلة فحسب، وإنما للأمة الإسلامية برمتها.

*المقال يعبر عن رأي الكاتب