السياسية : تقرير|| جميل القشم||


تشهد الساحة التربوية في البلاد حراكاً واسع النطاق، تشكله الدورات الصيفية المنتشرة في عموم المحافظات، حيث ارتفع عدد الملتحقين بها هذا العام إلى أكثر من مليون و250 ألف طالب وطالبة، في إقبال وتنظيم وتفاعل غير مسبوق، يعكس الثقة المجتمعية المتزايدة بهذا المشروع الوطني الرائد.

امتدت الدورات الصيفية إلى كل مديرية وعزلة، في الريف والمدن، لتغطي خارطة واسعة من الجغرافيا اليمنية، بما يعزز من حضورها، ويكرس دورها الحيوي المعرفي كأداة فاعلة في بناء النشء والشباب وتأصيل مفاهيم الانتماء والهوية.

ومنذ انطلاقتها، قدمت الدورات الصيفية نموذجاً تربوياً متكاملاً يتجاوز الطابع التقليدي، من خلال محتوى متنوع يشمل تعليم القرآن الكريم وعلومه، والمفاهيم الثقافية والفكرية، والمهارات الحياتية، والأنشطة الرياضية والزراعية والإبداعية، وبرامج سياحية ومعرفية توسّع مدارك المشاركين وتربطهم بالبيئة والمجتمع.

ارتكزت التجربة على بنية إدارية متماسكة، تقودها اللجنة المركزية العليا، وتديرها اللجنة الفنية باحترافية، وتنفذها فرق ميدانية ولجان فرعية في المحافظات والمديريات والعزل، بما أوجد قدرة عالية على التنظيم والانضباط والتفاعل المستمر مع المتغيرات في الميدان.

عززت المتابعة اليومية للدورات الصيفية والتقييمات المستمرة من جودة الأداء، وأسهمت في معالجة التحديات وتجويد البرامج، ما وفر مناخاً تربوياً محفزاً داخل الفصول، وخلق بيئة تعليمية تشجع على الانخراط والمشاركة الفاعلة من قبل الطلاب والطالبات.

تميزت الأنشطة اليومية بحيويتها وتنوعها، وبرزت في كثير من الدورات مبادرات طلابية، وورش تدريبية، وجلسات نقاشية، وفعاليات جماعية أسهمت في تنمية روح القيادة والتعاون والمسؤولية لدى النشء، وشكلت قاعدة صلبة لزرع الثقة بالذات والانفتاح الواعي على المحيط.

وتشهد البرامج الإبداعية تطوراً لافتاً، حيث تفرز مخرجاتها مواهب واعدة في مجالات الرسم، والإنشاد، والخطابة، والكتابة، والتمثيل، ما يدل على فاعلية البيئة التي وفرتها الدورات في احتضان الطاقات وتنميتها على أسس تربوية أصيلة.

قدمت البرامج الزراعية والحرفية محتوى عملياً ثرياً، أعاد ربط الطلاب بالأرض والبيئة، وشكل أساساً لبناء عقلية إنتاجية تتصل بالحياة اليومية، وتعزز من مكانة العمل كقيمة وطنية واجتماعية.

في المجال الرياضي، تتيح الأنشطة فرصاً لصقل المهارات البدنية، وتنمية روح التحدي والتعاون والالتزام، حيث شارك الطلاب في مسابقات متنوعة أُعدت بعناية لخلق توازن بين الجهد العقلي والنشاط البدني.

شاركت الفتيات في هذه الدورات بشكل فاعل، وشهدت مدارس الطالبات مستويات متقدمة من الأداء والانضباط والتميّز، خصوصاً في الأنشطة القرآنية والإبداعية، ما يعكس نجاح التوجهات التربوية في تعزيز دور الفتاة وتمكينها فكرياً وروحياً.

أثبتت الدورات الصيفية هذا العام قدرتها على خلق بيئة تعليمية جاذبة ومؤثرة، توفر للطالب منبراً حراً للتعبير، وساحة آمنة للتطوير، ومنظومة متكاملة تراعي التنوع والاختلاف، وتمنح المشاركين تجربة فريدة ترافقهم في مسارهم المعرفي والاجتماعي.

شكلت هذه التجربة نقطة التقاء حقيقية بين الدولة والمجتمع، حيث تكاملت الجهود بين الحكومة والمؤسسات التربوية واللجان المحلية والمبادرات المجتمعية، بما أرسى نموذجاً وطنياً يستند إلى الشراكة والوعي والإرادة المشتركة.

تتابع القيادة الثورية أنشطة الدورات باهتمام خاص، وأكدت في مختلف المناسبات دورها المحوري في بناء الجبهة الثقافية والتربوية، فيما رافق المجلس السياسي الأعلى هذه التجربة بوصفها أداة استراتيجية في بناء معرفي لجيل المستقبل وفق منهجية القرآن وعلوم الدين.

وقد كان لحكومة التغيير والبناء دوراً فاعلاً في إنجاح الدورات الصيفية، من خلال ما وفرته من بيئة تنظيمية ملائمة ومتابعة ونزول ميداني، أسهم في تعزيز استقرار الأداء، وأتاح للإدارات التربوية تنفيذ أنشطة نوعية عكست التوجه نحو بناء وعي معرفي وثقافي متجدد، يواكب احتياجات النشء ويؤسس لجيل واع ومحصّن بالقيم والهوية.

أولياء الأمور أبدوا تفاعلاً ملموساً مع هذه التجربة، من خلال المتابعة والتشجيع، حيث شكلت الدورات خياراً تربوياً واعياً لدى الأسر، ومصدر طمأنينة لتوجيه الأبناء نحو بيئة آمنة وغنية بالمحتوى الذي يعزز السلوك الذهني والمعرفي والديني للملتحقين بالدورات الصيفية.

برزت في عدد من المحافظات نماذج مشرفة لفرق إشرافية استطاعت أن تحقق نتائج متميزة، من خلال ابتكار وسائل تنفيذ محلية جسدت روح المبادرة والإبداع، وأسهمت هذه الجهود في إكساب التجربة بُعداً تطويرياً ملموساً، عكس أثر الدورات الصيفية في ترسيخ قيم الانتماء والعمل الجماعي، وتنمية المهارات التربوية والثقافية لدى الطلاب، بما يعزز من وعيهم ويُسهم في إعداد جيل واعٍ بقضاياه وهويته.

ومع اقتراب انتهاء الدورات الصيفية، تتأهب المحافظات لإقامة فعاليات ختامية تجسد ثمرة الجهود المبذولة طوال فترة الأنشطة، حيث سيتم عرض مخرجات البرامج وإبراز النماذج الطلابية المتميزة في مختلف المجالات العلمية والثقافية والفنية، في مشهد تفاعلي يوثق الإنجازات ويخلدها، ويمنح هذه المرحلة طابعاً احتفائياً متكاملاً يعكس حجم التفاعل المجتمعي وروح الإبداع التي سادت أجواء الدورات.

تحمل هذه الفعاليات رمزية كبيرة، كونها تمثل تتويجاً لأسابيع من العمل الدؤوب، وتُسلّط الضوء على ما تحقق من نجاحات، وتفتح أفقا أوسع للدورات القادمة، التي يُتوقع أن تأتي أكثر عمقاً.

أثبت هذا الموسم أن الدورات الصيفية تتحول تدريجياً من نشاط موسمي إلى مؤسسة تربوية متكاملة، تتطور عاماً بعد عام، وتتوسع في تأثيرها الاجتماعي والثقافي والمعرفي، وتدخل بعمق في معادلة البناء الوطني.

تعد هذه التجربة محطة مفصلية في تشكيل الوعي الجمعي، واستنهاض القدرات الوطنية، وتحصين الأجيال بالمعرفة والهوية، وتُقدّم اليوم كأنموذج ناجح لإدارة المشاريع التربوية في ظل ظروف وتحديات استثنائية.

وهكذا، تثبت الدورات الصيفية أنها محطة استراتيجية لصناعة الوعي وبناء الإنسان، جسدت فيها المدارس روح المشروع الوطني، واحتضن فيها الميدان التربوي بذور التحول المعرفي والثقافي، لتخرج منها آلاف الطاقات المؤهلة لحمل راية القيم، وصناعة المستقبل بثقة، في وطن ينهض بإرادته ويشق طريقه نحو الغد الواعد بثبات ووعي واقتدار.

سبا