السياسية || محمد محسن الجوهري*

ليس الحديث هنا عن المديريات الأربع (قعطبة ودمت والحشى وجبن) فهي شمالية خالصة بلا خلاف، ولكن الحديث عن المديريات الخمس (الضالع وجحاف والأزارق والشعيب والحصين) فهي الأخرى شمالية بامتياز ويشهد بذلك التاريخ والجغرافيا وحتى أبناء المنطقة وأولهم الرفيق الشهيد علي عنتر، فقد كانت حلقة الوصل بين صنعاء وعدن إبان الثورة اليمنية الموحدة ضد الاحتلال الإنجليزي، المسؤول الأول عن هذه المناطقية.

وحتى بالتجربة العملية، حيث يصعب على أي جنوبي من عدن إلى المهرة، التفريق بين أبناء المنطقتين (ضوالع الجنوب وضوالع الشمال، فاللهجة واحدة والعادات والتقاليد هي نفسها، وكذلك المذهب الشافعي (قبل غزو السلفية الدخيلة للمحافظة) وليس هناك أي عوامل اختلاف قد تجعل الجنوبي الآخر يفرق بين الجحافي والقعطبي، فهما في نظره واحد، والتجربة سهلة ومتاحة للجميع.

وبالنسبة للمظلومية التي ارتكبها نظام عفاش البائد بحق أبناء المحافظة فهي تسقط كلياً بتحالف المجلس الانتقالي مع آل عفاش، وفي هذا التحالف إضرار كبير بمستقبل المجلس وبدوره كممثل للجنوبيين، فالجنوبي المتضرر من نظام عفاش لن يقبل بممثل يتحالف مع من أضر به، ولو كان عيدروس الزبيدي صاحب قضية وحر في قراره لما أقدم على هذه الخطوة، لكنه عبدٌ مأمور يؤمر فيطيع.

ولا ننسى أن العفافيش يزعمون إدارتهم لتحركات المجلس من اليوم وقبل أن ينفض تحالفهم، فقد اعتادوا المتاجرة بانجازات الآخرين والصعود على أكتافهم، وفي وجه عيدروس الزبيدي من مظاهر الغباء ما يشجعهم على التمادي في ذلك.

إضافةً إلى ذلك، فإن أبناء الضالع سيكونون الضحية الأولى للتشطير كما كانوا بالأمس، وعندما يكون التعصب للجنوب هو المعيار، فهو أقرب الناس إلى الشمال وأقلهم انتماء للجنوبي وسيعيره بذلك الجنوبي المتعصب من أبناء المحافظات الأخرى، وربما لهذه الأسباب كان عقلاء الضالع مع الوحدة ويرفضون التشطير، فقد كانوا أكثر المتضررين من ذلك، وستعود الكارثة إلى عهدها القديم، فالمناطق الحدودية لا تستقيم أحوالها إلا في زمن السلم والاستقرار، وبعد أن تسقط عنهم صفة "الحدودية" وتهمة العمالة.

ولنا في السعودية خير مثال، فأبناء جيزان ونجران وعسير يشكون من تمييز مناطقي من قبل النظام السعودي، وغالباً ما يُتهمون بالولاء لهويتهم اليمنية، وهم لدى الرياض مواطنون من درجات مختلفة وجميعها دنيا، وقد يخسر العسيري وظيفته بمجرد أن يشيع أحدهم أنه يتعصب لليمن، أما الجيزاني فهو أصغر الجميع وسخرية النظام السعودي منذ تأسيسه، وإعلامهم ومسلسلاتهم تشهد بحجم السخرية والانتقاص لكا أبناء جيزان.

ومثل هذا التمييز سيرافق الضوالع في حال الانفصال، ومن المستحيل أن يقبل المهري أو الحضرمي بقائد كعيدروس الزبيدي، يمارس التمييز المناطقي بحقهم وهو في الأصل من أدغال الشمال، حسب توصيف الجنوبيين المؤيدين للوحدة، وفي ذلك إنصاف كبير، فمثل عيدروس لا قيمة سياسة له إلا في ظل الوحدة وممارسة التعصب باسم الجنوب ليس في صالحه عندما يكون المعتدى عليه من غير أبناء المحافظات الشمالية.

ولنتذكر أن الأوكرانيين طالبوا بالأمس بالانفصال عن روسيا لمجرد اختلافات لغوية، فقد كان الناطقون بالأوكرانية يشكلون نحو 80% من سكان غربي روسيا (أوكرانيا حالياً) وبعد الاستقلال تحول الناطقون بالروسية إلى أقلية داخل أوكرانيا لتبدأ مأساة جديدة أخرى عنوانها الأقلية الروسية، وبنفس العناوين التي كان يرددها الأوكرانيون عندما كانوا أقلية ضمن الاتحاد السوفيتي، فكوارث الأقليات لا تنتهي، وجنوب اليمن يغص بالاختلافات التي تجعله عرضة للصراعات الدائمة.

والأهم أن انفصال جنوب اليمن قد يشجع على انفصال جنوب السعودية، والعوامل المشجعة على ذلك كثيرة، ومن غير المنطقي أن يقبل النظام الحاكم في الرياض بوجود نموذج انفصالي مستقر في المنطقة حتى لا يطمع سكانه في ذلك، ومن هنا سيكون الاستثمار في الفرقة والصرعات المسلحة قائم بين أبناء اليمن الجنوبي، تماماً كما نرى في السودان.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب