السياسية : تقرير || صادق سريع*

في قانون حضرت القوات المسلحة اليمنية، "يمنع منعاً باتاً مرور أي سفينة أي كانت جنسيتها من البحر الأحمر إلى موانئ 'إسرائيل'، أو إعادة تشغيل ميناء أم الرشراش حتى رفع الحصار ووقف العدوان الصهيوني على غزة".

سيدة البحر (القوات المسلحة اليمنية) فرضت أيضاً على السفن المارة من البحر الأحمر، لكي لا تكون هدفاً لصواريخها المساندة لغزة، تهدئة السرعة وتحديد الوجهة والجنسية ونوع الشحنة عبر نظام التتبع "إي أَي إس"، ثم المرور بأمان.

ولتجنب الهجمات اليمنية لجأت شركات الشحن والسفن البحرية العابرة من البحر الأحمر إلى رفع هذه العبارة في إشعارات أجهزة التتبع الدولية: "لا علاقة لنا بـ'إسرائيل' كل الطاقم مسلم".

وإلا ماذا؟ وإلا فإن البحرية اليمنية جاهزة لقطع تذكرة سفر لأي سفينة تتمرد إلى أعماق البحر الأحمر، كما فعلت مع أختيها "ماجيك سيز" و"إيترنيتي سي"، اللتين رحلتا غرقاً بضربات الزوارق البحرية المسيّرة والصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيّرة.

وأعلن اليمن إسناده لغزة عسكرياً في نوفمبر 2023، بفتح معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدس"، وفرض الحصار البحري على سفن "إسرائيل" والمملوكة والمرتبطة بها، في بحار الأحمر والعربي والأبيض المتوسط والمحيط الهندي، ولا يزال قرار صنعاء ساري المفعول إلى اللحظة، وحتى رفع الحصار ووقف العدوان الصهيوني على غزة.

وتواصل القوات المسلحة اليمنية فرض الحظر الجوي والبحري بالصواريخ والمسيّرات على مطار اللد الدولي وميناء حيفا في "إسرائيل"،، إسناداً لغزة، في ظل الحصار البحري المستمر في البحر الأحمر، الذي أدى إلى إغلاق ميناء أم الرشراش، وإغراق أربع سفن: "روبيمار" في 18 فبراير 2024، و"توتور" في 12 يونيو 2024، ثم "ماجيك سيز" في 8 يوليو 2025، والأخيرة "إيترنيتي سي" في 9 يوليو 2025.

اليمن يفتتح "الركلات الأخيرة"

وفق القراءة التحليلية لصحيفة "الأيام" الجزائرية، تحوّل البحر الأحمر من مجرد ممر مائي إستراتيجي للتجارة والطاقة إلى ساحة مواجهة مفتوحة، باستمرار الهجمات اليمنية على السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني والتحالفات الغربية الداعمة له.

برأي المحلل الجزائري موسى بن عبدالله، في مقاله التحليلي المنشور في الصحيفة ذاتها، بعنوان "رداً على 'الراية السوداء'.. اليمن يفتتح مرحلة الركلات الأخيرة"، كشفت "عملية إغراق سفينة 'ماجيك سيز' التي تُعد تتويجاً للتصعيد التدريجي، عن مدى تطور العمليات اليمنية، بتنفيذ ضربات بالغة الدقة في العمق الجغرافي للعدو، وأخرى في ممر شريان التجارة الدولية.

وقال: "كشف التصعيد الأخير عن بروز يمن جديد، يتجاوز خطوط الدفاع إلى تخوم المبادرة والهجوم بضربات يمنية لم تكن ارتجالية أو عشوائية، بل جاءت وفق نسق منسّق، جمع بين الرد البحري والتكتيك الصاروخي والطيران المسيّر، ما يوحي بأن اليمنيين يسعون لترسيخ 'معادلة ردع جنوبية'."

وأضاف: "هذه التطورات ليست سوى تجلٍّ واضح لتبدّل عميق لموقع اليمن في خارطة الصراع، إذ بات في قلب محور الردع الجنوبي، الذي يسعى للضغط على الكيان من جبهات غير تقليدية، ما يربك حساباتها الأمنية، ويحدّ من قدرتها على تركيز جهودها في غزة والضفة ولبنان."

وانهى الكلام بهذا الوصف: "من بين دخان المرافئ وهدير الطائرات، يخرج اليمن مقاتلاً لا شاهداً، متقدماً إلى ميدان 'الركلات الأخيرة' كما أسماها الرئيس مهدي المشاط، في إشارة رمزية إلى عمق التحول العسكري والسياسي لموقع اليمن من معادلة الردع والمواجهة الإقليمية".

.. ويختبر حسابات الغرب

في السياق، قال روبرت كورتس، وهو مسؤول بريطاني يشغل منصب وكيل وزارة الدولة: "إن الهجمات اليمنية الأخيرة في البحر الأحمر تفرض إيجاد إستراتيجية طويلة الأمد لاحتواء الوضع، أو الاعتراف جذرياً بإعادة النظر في معايير النقل في البحر الأحمر".

وأضاف في منشور على منصة "X":"تهديد اليمن لا يزال قائماً، وقاتلاً، ومحرجاً سياسياً، وما تفعله بحريات التحالف الغربي لا يكفي لردع الهجمات اليمنية"، معتبراً الأخيرة اختباراً للحسابات التجارية والإستراتيجية الغربية.

وفي منظور خبراء صحيفة "ديلي ميل"، تمثل هجمات اليمنيين في البحر الأحمر على سفن "إسرائيل"، تحوّلاً إستراتيجياً في مسار الصراع الإقليمي وتشير إلى انهيار قوة الردع الغربية في السيطرة على واحد من أهم خطوط الإمداد البحرية والتجارة العالمية، وحماية مصالحها في المنطقة.

ومن وجهة نظرهم، فإن فشل واشنطن في كبح قدرات قوات صنعاء أو وقف عملياتها العسكرية المساندة لغزة، يُعد فشلاً عسكرياً واستخباراتياً وعملياتياً مكتمل الأركان، ساهم في إرباك حسابات البحرية الأمريكية وحليفاتها، وكسر هيمنة واشنطن والعواصم الغربية في المواجهة الفعالة بمعركة البحر الأحمر.

.. وتهديده غير قابل للاحتواء

وكشفت شركات التأمين البحرية لوكالة "رويترز" بدء مراجعة سياساتها فعلياً تجاه السفن المرتبطة بـ"إسرائيل"، عبر التوريد المباشر أو غير المباشر، تحاشياً لما وصفته بـ"التهديد العالي وغير القابل للاحتواء".

وأكدت حرص شركات الشحن البحري تجنب ارتباطها بموانئ الكيان، في جدول الإبحار ومسارات العبور، خوفاً من هجمات قوات صنعاء في البحر الأحمر.

وأقرت قناة "كان" العِبرية أن الاقتصاد الإسرائيلي يتكبد خسائر كبيرة بسبب مخاوف وعزوف الشركات المالكة لسفن الشحن البحري من الرسو في موانئ الكيان.

وأكدت إن إغراق قوات صنعاء للسفن التي تتعامل مع موانئ 'إسرائيل' يؤثر بشكل مباشر على اقتصادها، وهو ما يسعى اليمنيون لتحقيقه، قائلة:" لقد رأينا مؤخراً ما فعلوه بحركة الطيران، والآن يسعون لفرض ذلك في البحر الأحمر".

بدورها، أكدت "وينوارد إيه آي"، وهي شركة متخصصة في الأمن البحري، دقة معلومات القوات اليمنية بشأن تورط سفينتي "ماجيك سيز" و"إيترنيتي سي"، اللتين رستا في موانئ "إسرائيل" خلال الفترة الماضية، وانتهكتا قرار الحظر باستئناف التعامل مع الموانئ الصهيونية.

يُشار إلى أن القوات المسلحة اليمنية أطلقت، بفضل الله وتأييده، أكثر من 1,245 صاروخًا ومسيّرة إلى عمق الكيان، واستهدفت قواته المسلحة أكثر من 245 قِطعة بحرية تجارية وحربية تابعة لأمريكا وبريطانيا و"إسرائيل" في البحرين: الأحمر، والعربي، والمحيط الهندي، إسناداً لغزة.

خلاصة الكلام:
في فكر الجزائري موسى بن عبدالله، فإن القوات اليمنية أرادت أيضاً من عمليات البحر الأحمر، إيصال رسالة إعلامية وسياسية وعسكرية للمجتمع الدولي، مفادها أن الردع اليمني لا يستثني أحداً ممن يدعمون، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إطالة الحصار والعدوان على غزة.