السياســـية : تقرير || صادق سريع*

"قد لا يكون اليمنيون مسيطرين على البحار فقط، بل وبدون شك أعادوا رسم قواعد الاشتباك البحرية"، وفق ما أكدته مجلة "ذا كريدال" الأمريكية.

وقالت: "يبدو أن صنعاء لا تسعى إلى السيطرة الكاملة على البحار، بل إلى جعلها ساحات محفوفة بالمخاطر لأي جهة ترتبط بـ'إسرائيل' ما لم توقف حرب الإبادة والتجويع في غزة، وهذا وفق المحللين يُعد نجاحاً في فرض ما يُعرف بـ'الحرمان البحري'، دون استخدام أساطيل متقدمة".

وأضافت نقلاً عن الخبير العسكري في مركز "صوفان" الأمريكي، كولين بي. كلارك: "جبهة اليمن الأقوى والأكثر فعالية في محور المقاومة في المنطقة، ولم يُظهر اليمنيون أي نوايا على التراجع، ولا أتوقع أنهم سيوقفون عملياتهم العسكرية قريباً".

وأشارت إلى تأكيد خبير شؤون الأمن البحري واليمن، نيكولاس برومفيلد، باستمرار العمليات اليمنية المساندة لغزة في البحر الأحمر على مدى عامين، منذ بدء العدوان الصهيوني على القطاع، على الرغم من شن حملات العدوان الجوية على اليمن من أمريكا وبريطانيا و'إسرائيل".

وقال: "لا تزال نوايا اليمنيين غير واضحة بخصوص توسيع نطاق عملياتهم العسكرية البحرية، أما ادعاءات ترامب بأنهم استسلموا فقد اعتبرها المحللون المهتمون في شؤون اليمن مجرد كلام فارغ".

وأعلن اليمن في نوفمبر 2023، معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدّس"، لإسناد غزة ضد العدوان الصهيوني، وفرضت قواتها المسلحة حصاراً بحرياً على سفن "إسرائيل" والمرتبطة بها، في بحار: الأحمر، والعربي، والأبيض المتوسط، والمحيط الهندي، حتى رفع الحصار ووقف العدوان الصهيوني على غزة.

أكذوبة الروايات الغربية

"ذا كريدال"، وهي مجلة متخصصة بالشؤون الجيوسياسية، أكدت في تحليل عسكري بعنوان: "مع غزة كبوصلة لها.. اليمن يعيد صياغة قواعد الحرب البحرية"، نشرته مطلع الأسبوع الجاري، أن استهداف صنعاء لسفن الشحن المرتبطة بـ"إسرائيل"، وفرضها الحصار البحري في واحد من أهم الممرات المائية العالمية، كشف عن عجز قوات بحريات الغرب.

ما أقرّته المجلة هو أن ارتفاع حدة التوترات البحرية في منطقة البحر الأحمر أشعلها إعلان القوات المسلحة اليمنية "المرحلة الرابعة من الحصار البحري على إسرائيل" بتوسيع عملياتها ضد الشركات والسفن المرتبطة بموانئ الأخيرة.

وما أشارت إليه، هو أن العدوان الصهيوني وحرب التجويع والإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها "إسرائيل" بحق سكان غزة، سبب تأجيج الصراع وعدم الاستقرار في منطقة غرب آسيا.

القول الفصل في سرديتها التحليلية: "إن جميع الحقائق تشير إلى أن العمليات العسكرية البحرية التي تنفذها قوات صنعاء نجحت في فرض حصار فعلي على حركة الملاحة المرتبطة بـ'إسرائيل'".

والمؤكد وفق عقيدة خبرائها، أن الروايات الغربية التي تُصوِّر اليمنيين على أنهم وكلاء لإيران لا أساس لها من الصحة، والحقيقة أنه لا يوجد ما يثبت أن طهران تقف خلف هجماتهم البحرية.

صنعاء تربك الخصوم

في سياق سلسلة الإخفاقات البحرية والجوية لقوى العدوان الأمريكي - الغربي في اليمن، أكد "المعهد الوطني لدراسات الردع"، فشل قوة الردع الإستراتيجية الغربية أمام تكتيكات القوات اليمنية التي نجحت في توظيف قدراتها العسكرية بفعالية مؤثرة وبكُلفة أقل في الحرب غير المتكافئة.

وشنّت الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل"، ودول أوروبية، عدواناً جوياً وبحرياً على اليمن في 12 يناير 2024، بهدف تأمين حركة ملاحة السفن "الإسرائيلية" في البحر الأحمر، بأكثر من 950 غارة وقصفاً جوياً، خلّف 250 شهيداً و714 جريحاً من المدنيين.

وفي 15 مارس 2025، استُؤنف عدوانٌ جوي آخر على اليمن باسم عملية "الفارس الخشن"، بأكثر من 1,500 غارة جوية استمرت 53 يوماً، أدى إلى استشهاد 280 مدنياً، وإصابة أكثر من 650 آخرين.

وقال المعهد الأمريكي على منصته الرقمية "جلوبال سيكيوريتي ريفيو": "إن قوات صنعاء تمكنت من إرباك خصومها بتكتيكات عملياتية ذكية، وأحدثت آثاراً إستراتيجية كبيرة في بحريات الغرب بأسلحة زهيدة الثمن، بالمسيّرات والصواريخ والقوارب المسيّرة، والألغام البحرية غير المكلفة".

وقد استهدفت قوات صنعاء - بفضل الله وتأييده - في 430 عملية عسكرية، أكثر من 245 قطعة بحرية تجارية وحربية تابعة لأمريكا وبريطانيا و"إسرائيل"، في البحرين الأحمر والعربي، والمحيط الهندي، وأطلقت أكثر من 1,250 صاروخاً ومسيّرة إلى عمق الكيان.

.. وترسم خرائط الإبحار

وأضاف: "إن كل ضربة تطلقها قوات صنعاء، حتى وإن لم تكن حاسمة عسكرياً، تحمل تأثيراً اقتصادياً ونفسياً مدوياً، حيث إن الهجمة الواحدة قد تدفع شركات الشحن البحري إلى إعادة رسم خرائط الإبحار، ورفع تكاليف التأمين، وتؤثر في انهيار ثقتها في حماية بحريات الغرب".

الرؤية العسكرية، التي اتفق عليها خبراء معهد دراسات الردع، تقول: "إن عقيدة اليمنيين في المعركة، لا تهدف فقط إلى إلحاق الضرر، بل إلى تحطيم النموذج التقليدي للردع عبر إظهار أن قوة صغيرة ومحدودة الموارد قادرة على تحدي منظومة أمنية إقليمية ودولية مترامية".

تهديد اليمن المزمن

والإقرار المحسوم، في تحليل منصة "جلوبال"، يُؤكد صعوبة القضاء نهائياً على تهديد اليمن، وقد تحوّل إلى أزمة مزمنة على أقوى قوتين في العالم: الولايات المتحدة وأوروبا، كون اليمنيين يتحركون خارج نطاق المنطق العسكري الكلاسيكي، ويستثمرون ثغرات البنية الأمنية العالمية.

وتواصل القوات المسلحة اليمنية فرض الحظر الجوي بالصواريخ والمسيّرات على مطار اللد وميناء حيفا في "إسرائيل"، مع استمرار الحصار البحري في البحر الأحمر على سفنها والمرتبطة بها، وقد أدى إلى إغلاق ميناء أم الرشراش، وإغراق أربع سفن: روبيمار في 18 فبراير 2024، توتور في 12 يونيو 2024، ماجيك سيز في 8 يوليو 2025، إيترنيتي سي في 9 يوليو 2025.