السياسية || محمد محسن الجوهري*

للقرآن الكريم تأثيرٌ عجيبٌ وهائلٌ في النفوس، إذا ما وُجِّه إليها بصدقٍ وتجرد، وقد أدرك الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، رضوان الله عليه، هذه الحقيقة، فسار في خطى الأنبياء: بلّغ ما أُنزل إليه دون تكلف أو استعراض، ولم يُرِد أن يبرز نفسه، بل أن يوصِل كتاب الله إلى الناس كما أنزله الله وكما فعل رسوله صلى الله عليه وآله، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67].

لم يكن كغيره من الخطباء والدعاة الذين يتزيّنون بألفاظ منمقة تُبهر السامعين دون أن تهديهم. بل استخدم اللغة التي يفهمها الناس، ولو كانت عامية بسيطة، حتى يصل إليهم القرآن كما أراده الله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17].

لقد ذاب السيد حسين في الرسالة حتى غابت صورته، وبقي صدى القرآن يتردّد في الناس. ولأنه صادقٌ في تبليغه، رفعه الله وأعلى ذكره، كما قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. فأصبح رمزًا للثورة على الطغيان الأمريكي، وصوتًا للمستضعفين في وجه مشاريع الهيمنة المعادية للإسلام والمسلمين.

وفي ملازمه المتواضعة، يتجلى نور القرآن، لا فلسفة معقدة، ولا زخرفة بلاغية، بل خطاب خالص من التكلّف، عائدٌ إلى الناس بلغتهم وفطرتهم، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]،
ومن هنا بدأت معجزات الوعي والتغيير التي قلبت المعادلات، وأعادت الناس إلى طريق الله القويم، لا طريق الجدل العقيم والمفاهيم المزيفة.

فملازم السيد حسين، في جوهرها، ليست سوى تبسيط عميق لمشروع الله، تُعيد إلى الإنسان إدراك مسؤوليته، وتحرّره من الأوهام الفكرية التي جعلت من الحق والباطل شيئًا واحدًا. كتلك الكتب والمجلدات التي ألّفها البعض تحت عناوين براقة، وغاية ما فعلته أنها أورثتنا الشك والحيرة، حتى اختلطت صورة الإمام علي عليه السلام بخصومه، وبات اليهود مصدرًا للفكر في مجتمعاتٍ هجرت القرآن، كما قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30].

ولا أظن أحدًا اليوم يجهل ملازم السيد حسين، ومن بلغه خبرها، فقد قامت عليه الحجة. ومن أعرض عنها تكبّرًا، فهو من الذين قال الله فيهم:
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146]، وهؤلاء وإن ملكوا الدنيا فهم في شقاء وضنك، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124].

فانظر حولك، وتأمل حال أولئك الذين أعرضوا عن القرآن، وعن دروس السيد، فلن ترى فيهم إلا الحيرة والتشظي، وضيق الصدر وانعدام البصيرة، وهي العمى الذي وعد الله به من كذب بآياته، كما قال تعالى: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

أما من تواضع للحق، وتخلّى عن استكباره، واستقبل القرآن بقلب سليم، فسيرى عظمة هذا المشروع الذي واجه طغاة الداخل والخارج بأبسط الوسائل، لا بالمال والسلاح، بل بالإيمان والوعي والبصيرة. ولذا لا تزال معجزاته مستمرة.

فكما قال السيد حسين: "إن خلف القرآن من نزّل القرآن"، وهذه عبارة تختصر فلسفة النصر، إذ لا نصير أصدق من الله، {كَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45]. أما المصادر الأخرى البديلة، فمهما كثُرت أوراقها، فإنها لا تملك سندًا من السماء، ولا نصيرًا من الله.

وقد وعد الله من اتبع سبيله بالنصر، فقال: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7]، وهذا ما تحقق للمشروع القرآني، حيث انهزمت أمامه كل المشاريع الضالة، رغم توافر المال والسلاح لدى خصومه.

ويكفي المشروع القرآني صدقًا أنه أنشأ أمةً لا تخشى الموت، بل تشتاق إلى لقاء الله. وهذه سِمة لا نجدها إلا في أولياء الله، الذين قال عنهم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].

أما أعداؤهم، فهُم أصحاب القول الفارغ، وألسنة الجبن، لا يثبتون في ميادين المواجهة. كما رأيناهم في ثورة 21 سبتمبر، وفتنة ديسمبر، حيث فرّ أهل الباطل وانهزموا رغم ضجيجهم الإعلامي. لأن قوة الكلمة لا تصمد أمام من يحمل الإيمان والبصيرة والسيف.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب