السياسية - تقـــرير :

ما تضمنه الإعلان الانتخابي لمرشحة الكونغرس الأمريكي، فالنتينا غوميز، في ولاية تكساس، مؤخرًا، من إحراق نسخة من القرآن الكريم وتحريض على الإسلام، لم يكن حالة فردية، بل هو تقرير حال لما هي عليه الحقيقة الأمريكية في علاقتها بالصهيونية.

ظهرت فالنتينا غوميز، وهي مرشحة جمهورية، في فيديو وهي تحرق نسخة من القرآن الشريف باستخدام قاذف لهب، متعهدةً بـ”إنهاء الإسلام” في الولاية؛ في مشهد يحكي الكثير كامتداد تاريخي لواقع أمريكي متطرف الحال والمقال في علاقته بالآخر، على عكس ما تحمله شعاراته من زيف وتضليل.

تلك الحقيقة الصهيونية التي تتجلى في الفيديو واضحة؛ ولسنا هنا في صدد التأكيد على أن مثل هذا الإعلان يمثل تأكيدًا على سقوط كل الشعارات، التي دائمًا ما ترتبط بالثقافة الأمريكية، وفي مقدمتها حرية المعتقد وثقافة التنوع والقبول بالآخر؛ لأن ما قدمته غوميز في فيديو إحراق نسخة من القرآن الكريم والتحريض على المسلمين ليس سوى ترجمة عملية لما هو عليه واقع الوعي الأمريكي الحاكم.

وذلك يمكن قراءته صهيونيًا بوضوح في ممارسات العدو الإسرائيلي وجرائمه المتواترة منذ سبعة عقود ضد الفلسطينيين من جهة؛ وفي الموقف الأمريكي المتواتر والمدافع عن الجرائم الصهيونية عبر تاريخ هذا الكيان الغاصب من جهة ثانية.

هنا لا نستغرب من اختيار واشنطن موقف مخالف لكل العالم في كل اجتماع لمجلس الأمن الدولي، مستخدمة "حق الفيتو"، مانعة للمجلس من اتخاذ أي قرار ضد إسرائيل؛ وآخرها فشل كل محاولات مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار ضد إسرائيل منذ بدء العدوان الأخير على قطاع غزة المحاصر؛ على الرغم مما آلت إليه المعاناة الفلسطينية في غزة، والموت المستمر كل ساعة منذ 22 شهرا؛ وهو ما صار يخجل منه الشارع العالمي، بينما يستمر البيت الأبيض وتل أبيب كنغمة نشاز منحازة للقتل.

لم تخف غوميز في إعلان الفيديو موقفها؛ بل أعلنته بوضوح: "الآلة الوحيد الحق هو آله إسرائيل".

وهي بذلك تؤكد أن الصهيونية الفاشية حقيقة أمريكية؛ وهو ما يمكن قراءته بوضوح في مسار طويل من الانتهاكات العنصرية الأمريكية لحقوق الإنسان، بدءًا من جرائم إبادة جماعية بحق ملايين الهنود الحمر؛ لتقم الولايات المتحدة على جماجم أولئك السكان الأصليين لأمريكا؛ ومن ثم استمرار جرائمها العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء من أصول أفريقية.

وعلى الرغم من إقرار قانون للمساواة، إلا أن الواقع الأمريكي مازال عنصريًا وبطريقة فجة وغير إنسانية؛ ليس مع ذوي البشرة السوداء فقط ؛ بل مع المهاجرين وما يطلق عليهم الملونين والآسيويين، ومع من هم دونهم من الرافضين للعنصرية والتطرف، بما فيهم المسلمون وغيرهم؛ بدليل أن الأنبياء بما فيهم المسيح عليه السلام، لا حرمة لهم لديهم؛ ويمكن الإساءة إليهم بسهولة دون أن يتعرض لهم أحد، بينما الصهيونية تبدو وكأنها المقدس الأمريكي والغربي الوحيد؛ وسنجد أن من يتطاول عليها يزج به في السجن بتهمة معاداة السامية.

الصهيونية في أمريكا هي فوق الأديان؛ وهو ما يجعلها فاشية جديدة تتكرس بوضوح، وبخاصة من خلال الدعم الأمريكي السنوي الثابت للكيان الإسرائيلي؛ وتماهي الموقف الأمريكي السياسي على مدى تاريخ الكيان مع الموقف الإسرائيلي؛ وقبل هذا وذاك أصبح العالم الغربي يقف على حذر في علاقته بالحديث عن الصهيونية؛ لأن صولجان معاداة السامية جاهز لقمع أي رأس يتجاوز حدوده مع الصهيونية.

ولن يكون الموقف الأمريكي الموافق على جرائم العدو الإسرائيلي في غزة الدليل الأخير على الحقيقة الصهيونية للقرار الأمريكي.

الغرب يخضع لقوانين مكافحة معاداة السامية. فهل بعد كل هذه العنصرية يتحدث الغرب عن نواميس أخلاقية تحكم العالم في علاقته بمخرجات حضارته الإنسانية، التي تحترم إنسانية الانسان وكرامته وحقه في التعبير والتعليم والتدين وغيرها من الحقوق؟!

بينما بات العالم من أقصاه إلى أقصاه يشعر بالعار والخجل تجاه ضعف الموقف الدولي تجاه مأساة غزة، مازال الموقف الأمريكي يتحدث بصوت مرتفع مرددًا بفجاجة ما يقوله العدو الإسرائيلي، دون أن يرف له جفن، إزاء الدم النازف في القطاع المحاصر؛ وهنا لن نرى فرقا بين تصريحات البيت الأبيض تجاه فلسطين، وما أعلنت عنه غوميز في فيديو مثير للكراهية ضد المسلمين والتحريض ضد الإسلام.

تحدثت المرشحة الجمهورية لعضوية الكونغرس بوقاحة متطرفة ضد الإسلام والمسلمين؛ وهو ما يمكن اعتباره سقوطا اخلاقيا فجا؛ لكنه ليس مفاجئا في ظل ما هو عليه الواقع الأمريكي.

غوميز مرشحة لتمثيل الدائرة الـ31 في تكساس خلال انتخابات 2026، نشرت الفيديو عبر منصة “إكس”، وضمنته خطابًا متدفقا بالتحريض على كراهية المسلمين.

لو سألنا غوميز عن موقفها مما يحدث في غزة سيكون ردها واضحًا بالتأكيد؛ ومن ذلك سنفهم لماذا ترامب والبيت الأبيض يذهب مذهب الكيان الإسرائيلي؛ فالعنصرية التي أبادت ملايين الهنود الحمر وغيرهم من ذوي البشرة السوداء، وقتلت الكثير في فيتنام والعراق وأفغانستان، وغيرها من الدول، هي نفسها التي تحكم القرار الأمريكي باعتبارها حقيقية صهيونية.

قالت غوميز: “بناتكم سيُغتصبن وأبناؤكم ستُقطع رؤوسهم ما لم نوقف الإسلام نهائيًا”. ثم أحرقت نسخة من القرآن مبررة ذلك: “أمريكا دولة مسيحية… المسلمون الإرهابيون يمكنهم العودة إلى إحدى الدول الـ57 الإسلامية. الإله الوحيد الحق هو إله إسرائيل".

يؤكد محتوى اعلان غوميز حقيقة واضحة؛ وهي أن واشنطن ليس سوى ميسر مهام الصهيونية العالمية كحقيقة فاشية فوق حقائق الحضارات الإنسانية؛ ولهذا تتجلى مأساة غزة اختبارُا حقيقيًا لما تبقى من قيم الحضارة الإنسانية، ونتيجة لكل ذلك النزيف الفلسطيني نجد صحوة شعبية تتمدد على امتداد خريطة العالم، منحازة للإنسان والعدالة في غزة؛ حيث يتكشف الإرهاب الذي طالما حاربه العالم و حذر منه، بينما هو اليوم يتجلى واضحا في كل نشرات الأخبار على امتداد الأربع وعشرين ساعة.. فهل آن الآوان لترتفع أصبع العالم لتشير على الإرهابي الحقيقي؟!