الـ30 من نوفمبر.. مسمار التحرير في أقدام الغزاة والمحتلين
طوفان الجنيد*
في مسيرة الأمم، هناك أيام لا تمر كغيرها من الأيام، بل تنقشع في سماء التاريخ كالشهب اللامعة، لتظل منارات تُضيء درب الأجيال الحرة ومن بين هذه الأيام، يظل الثلاثون من نوفمبر 1967 شاهداً خالداً على أن إرادة الشعوب هي أقوى من كل جبروت المحتل، وأن رصاصة التحرير الأخيرة هي وحدها من تُدق المسمار الأخير في نعش الغزاة. والكابوس الموقظ مضاجعهم في المستقبل.
لم يكن هذا اليوم مجرد تغيير في التقويم، بل كان الخروج من ظلمة قرن ونيّف من الاحتلال البريطاني، الذي حول الجنوب اليمني إلى قاعدة عسكرية وميناء استراتيجي يُدار بمبدأ "فرّق تَسُد". لكن شعباً يأبى الضيم تربى في أحضان هذه الأرض الطيبة، وتنفس عبق هواء الكرامة ورضع حليب الاستقلال ونسج حضارته من عمق التاريخ، لم يكن لينسجم مع واقع الذل. فقد كانت جذوة المقاومة تتقد تحت الرماد، تنطلق من جبال ردفان الشماء إلى أزقة عدن الضيقة، من فلاح بسيط إلى طوفان جارف ومقاتل صلب وارادة فولاذية حتى اكتملت الحلقة الأخيرة في سلسلة النضال الطويلة. واينعت ثورة الرابع عشر من اكتوبر 1963.
لقد كان هذا اليوم هو المسمار الحاسم الذي دُق في نعش المشروع الاستعماري، وانغرس في اقدامهم لم يكن الانسحاب البريطاني هدية أو منّة من محتل، كما يدعي العدو وبعض ادواته بل كان ثمرة شجرة نضالية سقيت بدماء الشهداء، من راجح بن غالب لبوزة، إلى جميع أبناء اليمن الذين قدموا أرواحهم فداءً للكرمة والأرض. كان المسمار الذي أنهى أسطورة "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"، وأثبت أن شمس الحرية، حين تشرق، لا يمكن لقوة في الأرض أن تحجبها.
إن ذكرى الـ30 من نوفمبر ليست مجرد استحضار للماضي، بل هي رسالة حية إلى الحاضر والمستقبل. إنها تذكرنا بأن الوحدة والحرية وجهان لعملة واحدة، وأن الأرض التي تحررت بإرادة أبنائها تظل أغلى من كل شيء. في زمن تتجدد فيه أشكال الهيمنة والاطماع الاحتلالية والتدخل الغربي السافر في الشؤن الداخلية لليمن يمن الايمان والحكمة أولو ألباس الشديد، تظل هذه الذكرى درساً بليغاً: أن الأمة التي تستطيع أن تنتزع حريتها من بين أنياب أقوى الإمبراطوريات، هي أمة قادرة على مواجهة أي تحدٍ، وصون مكتسباتها، وبناء مستقبلها بيدها.
في الختام..
سيظل الثلاثون من نوفمبر يوم مشهود ورمز للرجال الأسود وسيبقى أكثر من مجرد ذكرى؛ بل هوية وتأريخ وانتماء، ويمين نقسم به لمواصلة المسيرة و"الصرخة" في وجوه الاعداء والمنافقين وشعار "برع يا استعمار من أرض الاحرار" والكابوس المؤرق للغزاة، وسيظل شاهداً إلى الأبد على أن أرض اليمن ستكون دوماً حرة برجالها الابطال الاشاوس وإرادتهم التي لا تُقهَر
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

