سورية على أبواب الانهيار
السياسية || محمد محسن الجوهري*
هذه ليست استنتاجات لمحللٍ سياسي على إحدى الفضائيات، بل تصريح موثق، أو بالأحرى زلة لسان لوزير الخارجية الأمريكية "ماركو روبيو" خلال جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 20 مايو الماضي، أي عقب لقاء الرياض بين أحمد الشرع وترامب، والذي أعلن فيه الأخير رفع العقوبات عن سورية.
كان الحديث عن العقوبات الأمريكية، وقد دافع روبيو عن قرار ترامب برفعها مبرراً ذلك بأن البلاد (سورية) "على بُعد أسابيع فقط من "انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد ملحمية"، حسب وصفه، ولذلك فإن قرار ترامب يهدف إلى تخفيف الوضع الإنساني على البلاد والسماح بوصول المساعدات، موضحاً أن دولاً تريد تقديم الدعم الإنساني لسورية لكنها كانت متخوفة من العقوبات.
هذه الزلة غير المحسوبة تكشف أن سورية مقبلة على حربٍ أهلية وانهيار في الوضع الأمني والإنساني، وأن ذلك يتطلب وصول مساعدات إنسانية للشعب السوري، ولهذا أُلغيت العقوبات الأمريكية، ربما لتظهر واشنطن حينها بمظهر الحليف الإنساني للشعب السوري عبر توزيع بعض المساعدات الإنسانية أو مجرد السماح بوصولها من أطراف أخرى للتغطية على دورها المشبوه في إثارة النعرات الطائفية بين مكونات الشعب السوري.
وهذا يؤكد مجدداً أن أحداث الساحل السوري التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الطائفة العلوية كان بدعم وتخطيط الإدارة الأمريكية، وأن إدارة الشرع ليست إلا أداة تنفيذية على الأرض، كما كانت منذ مارس 2011، فأحداث سورية دُبرت بأيادٍ غربية وتنفيذٍ عربي لضرب آخر دولة حرة في محيط فلسطين المحتلة، والتي كان نظامها يحمي الفصائل الفلسطينية وعمل على تسليحها بعد أن تخلى الجميع عن فلسطين وانخرطوا في مشروع العمالة والتطبيع.
هنا نتذكر تصريحات حديثة لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق "إيهود أولمرتس" حول الثورة السورية، عندما ذكر بأن الرئيس بشار الأسد رفض في 2008 توقيع اتفاق سلام (تطبيع) مع "إسرائيل" عبر وساطة تركية، مؤكداً لو قبل الأسد ذلك لمنع حدوث الحرب الأهلية في العام 2011.
وكات تركيا قد استضافت في تلك الفترة محادثات سلام غير مباشرة بين سورية والكيان الصهيوني بإشراف رئيس الوزراء التركي في حينها رجب طيب أردوغان، الذي كان حلفياً للأسد في تلك الفترة، قبل أن ينقلب عليه بمجرد فشل المباحثات في الخروج باتفاق تطبيع على غرار ما تم بين مصر والأردن من قبل.
ومع أن سورية اليوم تخضع كلياً للإرادة الصهيو-أمريكية إلا أن ذلك لم يشفع لها من السقوط في مستنقع الخراب والفوضى الأمنية، فمخططات "إسرائيل" الاستراتيجية تقتضي سقوط سورية إلى الأبد لتنفيذ مشروع "ممر داوود" الذي تحدث عنه نتنياهو في كتابه "بيبي" والذي وعد فيه بتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى".
ما يعزز فرضية الانهيار القادم في سورية هو سحب واشنطن نحو 500 جندي من سورية خلال الأيام الماضية، وهو ما أكده المبعوث الأمريكي إلى سورية "توم باراك" والذي أعلن أن بلاده بدأت تقليص وجودها العسكري في سورية، وتهدف إلى إغلاق كافة قواعدها باستثناء واحدة.
إضافة إلى ذلك، كان المتوقع أن تبادر الإدارة الأمريكية بإعادة فتح سفارتها في دمشق عقب سقوط النظام السوري في ديسمبر 2024، إلا أن إرجاءها للخطوة أو ربما تجاهلها له دلالات قاتمة على مستقبل سورية، وأن شبح الحرب الأهلية سيظل ملازماً للسوريين ما دامت المصالح الاستراتيجية للكيان الصهيوني تقتضي ذلك النوع من الفوضى.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب