الغدير.. يومُ الولاية وإتمام الرسالة
بشير ربيع الصانع*
حين تهبّ نسائم الغدير، تتزيّن الأرض بنور السماء، وتتنزّل على القلوب سكينة اليقين، ويتهيأ اليمنيون لاستقبال يومٍ ليس كمثله يوم، يوم الولاية، يوم اكتمال الرسالة وإتمام الدين، يوم نصب فيه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- عليًّا أميرًا للمؤمنين، وعلَمًا للهداية، ورايةً لا تُطوى حتى يرثَ الله الأرض ومن عليها.
ليست هذه المناسبة في وجدان اليمنيين حدثًا عابرًا في سجل التاريخ، بل عيدٌ أعظم، وعهدٌ متجدد، وبيعة لا تنقضي، يُعبرون فيها عن الولاء الصادق، والوفاء الدائم، والانتماء العميق لإمام المتقين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه السلام. يُحيون ذكراه كما يُحيي العاشق ذكرى من يسكن القلب، لا بالذكرى وحدها، بل بالاتباع، والتأسي، والاقتدَاء في الخُلق والجهاد، في العلم والحلم، في العدالة والبصيرة، في الصبر والثبات.
أصبح يوم الغدير بالنسبة لهم "العيد الأكبر"؛ لا لأَنَّهم أطلقوا عليه هذه التسمية؛ بل لأَنَّه كذلك في جوهره، ففيه أعلن على الملأ أن لعلي الولاية كما كانت لمحمد، لا نبوّة ولكن وصاية، لا وحيًّا ولكن هدى، لا قرآنًا يتنزل، بل قرآنًا يتحَرّك. في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّـة، حجّـة الوداع، في صحراء خُم، على مرأى ومسمع من الحجيج، وقف النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- يخاطب الأُمَّــة: "من كنت مولاه، فهذا عليٌ مولاه"، فما كان من اليمانيين إلا السمع والطاعة، والولاء والبيعة، لا قولًا مُجَـرّدا، بل روحًا تهب، ودمًا يسيل، وساحاتٍ تُشهد أن عليًّا كان وسيظل إمامًا للهدى، وقائدًا للحق.
وليس ذلك غريبًا على قومٍ منهم مالك بن الأشتر النخعي، فارس اليمن وبطل الإسلام، ذلك الذي قال له الإمام علي عليه السلام: "أنت مني بمنزلتي من رسول الله"، فجعل نفسه سيفًا مسلولًا في يد أمير المؤمنين، ودرعًا لا يلين في وجه أعدائه، وكان عنده من مكانة القرب والوفاء ما جعله أحد أعمدة دولته وخيار رجاله.
وليس بعيدًا عن سيرة مالك، يقف التاريخ شاهدًا على عمار بن ياسر، صوت الإيمان، ورمز البصيرة، وراية الثبات. ما خذل يومًا الإمام عليًّا، ولا باع ولاءه بثمن، بل قاتل معه حتى خرّ شهيدًا تحت رايته راية الحق، لتكون دماؤه شاهدًا على صدق القضية، ودليلًا ناطقًا على من هي الفئة الباغية.
واليوم، يُثبت اليمنيون أنهم أوفياء لتلك الدماء، وأنهم أمناء على تلك الراية، يتقدمون في درب الولاء بثبات، ويجددون بيعتهم كُـلّ عام، لا في ساحات الاحتفال فحسب، بل في ساحات الوغى، وفي ميادين المواجهة، حَيثُ يُختبر الإيمان وتظهر معادن الرجال.
يعبّرون عن انتمائهم لرجلٍ قال فيه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-: "علي مع القرآن، والقرآن مع علي"، رجلٌ لا يفترق عن الكتاب، ولا يفترق الكتاب عنه، فمن أراد الهداية، فليتّبع من سار معه القرآن، وكان القرآن ناطقًا به.
وهكذا يظل الغدير شاهدًا على أن الحق لا يموت، وأن الولاية لا تُطوى، وأن اليمن لا يزال وفيًّا لوصية الله، ثابتًا على نهج الرسالة، معتصمًا بحبل الله المتين، مجاهدًا في سبيل المستضعفين، ورافعًا راية من بُشّر بالولاية، ونُصّب إمامًا يوم الغدير، علي بن أبي طالب عليه السلام.
إن الله لا يهدي القوم الكافرين.
*المقال يعبر عن رأي الكاتب
*المسيرة نت