كيان الأسدي*

أولًا: أُتيحت لـ"إسرائيل" فرصة تاريخية من قِبل الولايات المتحدة، عنوانها: اضربوا إيران، شرط أن يكون الفعل مؤثرًا. أما دون ذلك، فليس سوى لعب خطير بالنار. وانطلاقًا من هذا التفويض الضمني، اختارت "إسرائيل" أسلوبًا جرّبته سابقًا ضد المقاومة في لبنان: استهداف القادة العسكريين المرتبطين مباشرة بجبهة المواجهة.

لكن ما أغفلته "إسرائيل"، أو تجاهلته عمدًا، هو أن إيران ليست دولة أفراد، بل أمة تفيض بالقيادات الثورية، المتمرّسة والمستعدة للشهادة. إنها بيئة ولّادة، تحتفظ بمخزون هائل من القادة الميدانيين العقائديين. وهنا، تكون "إسرائيل" قد فعلاً أحرقت أصابعها بنار لا تدرك حجم اشتعالها.

ثانيًا: أي ضربة لا تحقق غايتها الاستراتيجية تُعدّ ضربة ميتة. والهدف الإسرائيلي المعلن كان تحجيم القدرات النووية الإيرانية، لكن التصريحات المتداولة عن مسؤولين أمريكيين تفيد بأن المفاعلات لم تتأثر، نظرًا لكونها مدفونة تحت الأرض ومحاطة بتحصينات عالية المستوى.

ولأن استهداف المنشآت النووية الكبرى والقواعد العسكرية العميقة غير ممكن عمليًا، اتجهت "إسرائيل" لضرب مواقع أقل تحصينًا، مثل منازل القادة ومراكز القيادة المكشوفة، وهي ضربات رمزية أكثر منها استراتيجية.

ثالثًا: نتنياهو حاول عبر هذه المغامرة صرف الأنظار عن أزماته الداخلية، موحّدًا المشهد الإسرائيلي على فكرة "التهديد الوجودي"، في محاولة لإنقاذ مستقبله السياسي. أما الولايات المتحدة، فقد وجدت في هذا التوتّر فرصة للضغط على إيران في سياق التفاوض، دون التورّط المباشر في التصعيد.

رابعًا: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بطريقته المألوفة والمتهوّرة، يظن أن فرض التنازلات بالقوة قد يُجدي نفعًا مع إيران، وهو بذلك يكرّر وهمًا قديمًا من أوهام الغطرسة الأمريكية، حيث يختلط استعراض القوة بجنون العظمة. من هنا، تأتي تصريحاته المتضاربة، تارة ينفي أي تورط أمريكي، وتارة يعد بالدعم الكامل لـ"إسرائيل" إن ردّت إيران.

خامسًا: الخطأ الأكبر ارتكبه العدو عندما استهدف مناطق مدنية، فوقع ضحايا من الأطفال والنساء، وهو انتهاك صارخ للخطوط الحمراء سيُكلف الكيان كثيرًا، ويمنح إيران مشروعية دولية وأخلاقية إضافية في ردّها المقبل.

سادسًا: الرد الإيراني لن يكون تقليديًا ولا آنِيًّا، بل مركّبًا وعلى مراحل، تبدأ باستنزاف الدفاعات الصهيونية من خلال المسيّرات الانقضاضية، قبل الانتقال إلى استخدام الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، لتُحدث وقعًا نفسيًا وعسكريًا مدوّيًا داخل الكيان.

سابعًا: المرجّح أن يكون الرد متعدد الموجات، يمتد لأيام، وفق بنك أهداف دقيق ومتنوّع تحتفظ به القوات المسلحة الإيرانية، يمكّنها من الضرب بتخطيط عالٍ ومطاولة محسوبة.

ثامنًا: بحسب إعلان هيئة الأركان الإيرانية، تم مؤخرًا اختبار نوع جديد من الأسلحة، سُلّم إلى الوحدات القتالية، وسيتم استخدامه ضمن إطار الرد، مما ينبئ بأن الجولة القادمة ستكون الأشد قسوة، والأكثر تطورًا في تاريخ الصراع المباشر.

*كاتب عراقي
*المقال يعبر عن رأي الكاتب