مصطفى عامر*

مفتاح المستقبل مطمورٌ في أعماق التاريخ، من الأمس تتكشّف ملامح الغد، أما اليوم فخطٍّ واصلٍ بينهما!

لهذا لا تقرأ المشهد بعينين مغمضتين ولا بذاكرة ذبابة، أقول لك هذا الأمر حتى لا تبتلعك الحيتان أو تفترسك العناوين الزائفة.

وتذكّر، كلّما قامت قنوات الأخبار بصبّ عناوينها في أذنيك، أنّ العناوين شِبَاكٌ مموّهةٌ أعدّها صيّادٌ خبير، ثمّ- وفي التوقيت المدروس- رماها في محيطٍ يكتظّ بالفرائس!

هكذا.. وحينما تطنّ مذيعةٌ ما في أذنيك فانتبه! خلف أسنانها البيضاء- لو أمعنت- أنيابٌ حادة! ووراء شعرها الأشقر مُفترسٌ خبيث!
فلا تُعمينّك عيونها الزّرقاء عن زيف العناوين، ولا يصرفنّك وجهها الأملس عن استكشاف الحقيقة!

لا يعمينّك مظهرها البرّاق فإنها أفعىً قاتلة، جلدها الملوّن يُخفي السّمّ الزّعاف، لسانها المعوجّ يبحث عن فريسة، فانتبه! ولا تكن أنت الفريسة.

أوما رأيت أنّ أخطر الأفاعي أكثرهنّ بريقا، وأنّ السّمّ قد يتبدّى للغافلين رحيقا! أنّ مسالك التردّي أسهل المسالك، وأنّ الطريق المفروشة بالورود مفروشةٌ بالمهالك؟!

فلا يصرفنّك السطح عن الجوهر يا صديقي، وعن الحقيقة لا يشغلنّك المظهر يا رفيقي! ولا تكن بعد ذلك قشّةً في سيلٍ ولا إمّعةً في معمعة، تميل إن مال الناس وتعدل إن عدلوا!

لا أريد لك أن تكون مذبذب المواقف معتلّ البصيرة! لا يليق بك التّرنح على أرصفة الحياة مثل بندولٍ بسيط! تصرفك عناوين اليوم عن عناوين الأمس! تُنسيك مجريات اليوم اصطفافات الأمس! أو تُعميك حدود الزمان والمكان عن إدراك حقيقة أن هذه المعركة عابرةٌ لكلّ الحدود!

ولولا أنك لا تملك الوقت أو لا تتحلّى بالصبر لأخبرتك كيف أنّ ثمّة علاقةٍ تربط بين طوفان الأقصى وطوفان نوح، "السيوف الحديدية" وحكاية النمرود، حرب اليوم والحروب الصليبيّة، الكيان الصـ.ـهيوني وفرسـ.ـان المعـ.ـبد، غزوة الأحـ.ـزاب وتحالفات هذا النهار!

من يُخبرك بخلاف ذلك فهو يرفع في وعيك، فحسب، جدرانًا من الوهم والزيف والخداع! ليُعميك، لا أكثر، عن حقيقة أنّه يحيك شباكه عليك اليوم بهدوء، ليفترسك غدًا- أيّها الفريسة التالية- بلا مقاومة!

فإن تاهت مراكبك بعد هذا أو غويت، وقصّرت بك عن تمييز الحق مداركك فما اهتديت؛ فالقرآن منارة التائهين ودليل الحائرين هو الفاصل والمميّز: بين الصديق الصادق والمُخاتل الكذّاب، بين المؤمن حقًّا والمرجف المُرتاب!

وهل حذّرنا القـ.ـرآن من عدوٍّ تحذيره من يهـ.ـود؟! ألم يقل بعد ذلك وقوله الفصل، "ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم"؟
فاقرأ القـ.ـرآن إذن، وحدّد موقعك منه!

إقرأ ثَمّ وارجع البصر كرّتين، وأجبني:
من يتولى اليهود عشيّةً وصبحا، تفضحه قبل فِعالِه الأقوال فضحا؟

أجبني والقرآن بين يديك! وإذا كان منافقيّ اليوم يتجاوزون الوصف القرآنيّ قيد أنملةٍ فلا تصاحبني بعدها، "قد بلغت من لدنّي عُذرا"!

قارن عناوينهم اليوم بعناوينهم قبل ألف وأربعمائة سنة، وإن اختلفت العناوين عن العناوين فتعال إلى هنا، قلها ولا تخف: "هذا فراق بيني وبينك"

لماذا أخبرك بهذا الأمر؟
حسنًا، لا أدري على وجه التحديد!

أو! ربّما، وهذا هو الأهم، لأنّ المعـ.ـركة أكبر وأعظم وأشدّ وطئًا من أن نذهب إليها بجيـ.ـشٍ من "البندوليين"، الذين لا يستطيعون معها صبرا، أو الذين لا يحيطون بحقائقها خُبرا!

*رابط التغريدة : https://x.com/mustafamer20223/status/1937938089122...