مكامن فشل العدو في مواجهة صمود إيران وردودها التصاعدية
جهاد حيدر*
من المؤكد أن العدو، وعلى رأسه الكيان الصهيوني بدعم أمريكي مباشر، تمكّن من تنفيذ سلسلة من الضربات المؤلمة التي استهدفت شخصيات بارزة في الجمهورية الإسلامية، من قادة عسكريين إلى علماء نوويين، بالإضافة إلى مواقع استراتيجية ترتبط بقدرات إيران الصاروخية والنووية. ونجح في بداية المعركة في خلق صدمة إعلامية وأمنية كبيرة داخليًا وخارجيًا، وكان يأمل من وراء ذلك أن يُطلق مسارًا متدحرجًا من الأحداث من شأنه أن يؤدي، في حدّه الأقصى، إلى إسقاط النظام، أو على الأقل إلى زعزعة استقراره الداخلي وتقويض صورته أمام الرأي العام الإقليمي والدولي.
لكن عند تقييم حصيلة هذه المواجهة، يمكن اعتماد مسارين في التقدير: الأول، ما فشل العدو في تحقيقه، قياسًا بأهدافه المعلنة والمضمرة- وهو ما سنقتصر عليه في هذه المقالة- والثاني، ما نجحت الجمهورية الإسلامية في إنجازه وصموده أمامه - نؤجل تناوله- وكلا المسارين يصبّان في تأكيد حقيقة جوهرية مفادها أن النتائج لم تكن في مصلحة العدو، بل كشفت إخفاقات استراتيجية مدوية في سياق مشروعه العدواني.
أبرز موارد فشل العدو
1- العجز عن زعزعة النظام أو إسقاطه
على الرغم من شراسة الضربة الأولى، والتي اتسمت بالمباغتة والتركيز على شخصيات ومرافق مركزية، لم يتعرض النظام الإسلامي للاهتزاز البنيوي الذي كان العدو يعوّل عليه. لم تنشأ حركة شعبية داخلية معارضة كما كان مأمولًا، ولم تظهر مؤشرات جدية على تآكل تماسك الدولة السياسي والأمني؛ بل على العكس، لقد تحوّل هذا التحدي إلى نقطة انطلاق لردّ استراتيجي مضاد أسّس لمسار عملياتي جديد.
2- فشل في تعطيل القيادة والسيطرة على الجبهة الإيرانية
واحدة من رهانات العدو تمثلت بإحداث شلل في منظومة القيادة والسيطرة، عبر استهداف قادة الصف الأول. إلا أن الواقع أظهر أن البنية القيادية الإيرانية مرنة ومتماسكة، حيث برزت قيادات بديلة تمكّنت من إدارة العمليات بكفاءة عالية، ونجحت في المحافظة على استمرارية الردود الصاروخية والاستراتيجية بفعالية غير متوقعة.
3- عدم نجاح العدو في إضعاف صورة الجمهورية الإسلامية أمام شعبها والمنطقة
العدو أراد أن يُظهر النظام الإيراني عاجزًا عن الرد والدفاع، وأن يخلق انطباعًا عامًا بأن الجمهورية الإسلامية ليست سوى فقاعة إعلامية لا أكثر. لكن ما حصل هو أن الردود الإيرانية، لا سيما تلك التي طالت عمق الكيان "الإسرائيلي"، أسهمت في تعزيز صورة النظام قوةً قادرة على المواجهة والثبات، ما أدى إلى تزايد الالتفاف الشعبي حوله، وتعاظم حضوره في الرأي العام الإقليمي.
4- فشل في تحييد منظومات الرد الصاروخي الإيراني
على الرغم من محاولات العدو لاستهداف المخزون الصاروخي ومنصاته؛ لم يتوقف الرد الصاروخي الإيراني؛ بل كان في حالٍ تصاعدية. مع مرور الوقت، بات واضحًا أن الكيان "الإسرائيلي" يخسر على مستوى الردع، إذ إن كل يوم إضافي في المعركة كان يعني مزيدًا من الصواريخ والدقة، ومزيدًا من التحدي لهيبة "القبّة الحديدية" التي لم تنجح في توفير الحماية المطلوبة.
5- قصور منظومات الاعتراض الصاروخي
أحد أبرز الإخفاقات الاستراتيجية تمثل بعدم قدرة منظومات الاعتراض الدفاعي "الإسرائيلية" في التعامل بفعالية مع حجم الضربات الصاروخية الإيرانية وكثافتها. هذا العجز التقني كشف تطورًا إيرانيًا نوعيًا لا يُستهان به على مستوى القدرات الدفاعية والهجومية، على الرغم من الحصار والقيود الغربية، وأدى إلى قناعة متزايدة داخل الكيان بضرورة وقف الحرب.
6- محدودية قدرات العدو في الاستمرار بالتصعيد
لقد بدا واضحًا أن العدو لا يمتلك الإرادة ولا القدرات التي تؤهله لمواصلة الحرب على مدى طويل. ومع غياب القدرة في تحقيق تقدم ميداني ملموس أو فرض وقائع سياسية جديدة، أصبحت الضغوط غير مجدية، فدخل العدو في مأزق استراتيجي دفعه إلى البحث عن مخرج تفاوضي.
نتائج المواجهة.. تموضع استراتيجي جديد للجمهورية الإسلامية
على الرغم من حجم التضحيات التي قدمتها لحقت بالجمهورية الإسلامية، وخاصة على المستوى البشري والرمزي، تمكّنت من إحباط أهداف الحرب الكبرى. لم تُفرض عليها تسوية سياسية بالقوة، ولم تنكسر في معركتها الأمنية والعسكرية، بل خرجت منها أكثر صلابة وتماسكًا. كما نجحت في تعزيز موقعها بصفتها قوة إقليمية مركزية معادية للمشروع الصهيوني، وأظهرت أن بنيتها الداخلية أقوى مما ظنه خصومها، وشكّلت تجربتها الأخيرة نقطة تحول استراتيجية في طبيعة الصراع مع "إسرائيل".
يضاف إلى ذلك؛ أن هذه الجولة من المواجهة لم تُفضِ إلى حسم نهائي، إلا أنها فتحت الباب على مرحلة جديدة من الصراع، تتسم بتعقيد أعلى وتوتر دائم. لقد أثبتت إيران أنها قادرة على منع فرض أي اتفاق مجحف، ونجحت في الحفاظ على مقدراتها النووية والصاروخية، ما يعني أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة سيجدان نفسيهما أمام تحديات متزايدة في مرحلة ما بعد الحرب.
* المقال نقل من موقع العهد الاخباري ويعبر عن رأي الكاتب