السياسية || محمد محسن الجوهري*

هذه العبارة ومثيلاتها، ستتكرر كثيراً خلال المراحل القادمة والهدف تشويه الدور الإيراني والحد من أهمية النصر الذي حققته الجمهورية الإسلامية بكسر شوكة العدو الصهيوني، ومثل هذه السرديات تصاحب كل معركة فاصلة مع العدو الصهيوني، فكما رأينا بعد انتصار حزب الله في حرب تموز عام 2006، أعقب الحرب العسكرية أخرى ناعمة وعلى لسان العرب قبل "إسرائيل" للتقليل من أهمية النصر، واعتباره إنجازاً إيرانياً متجاهلين وجود الاحتلال الصهيوني وكان الأحرى بالعرب حينها أن يستثمروا النصر لصالح قضاياهم الكبرى لو كان لهم قضايا، لكنهم اعتادوا على الخنوع والتباع الأعمى لتوجيهات العدو الصهيوني.

وعندما نسمع عبارات من مثل "إيران خذلت العرب" قد يخيل إلى المتلقي أن العرب أمة ضعيفة بلا جيوش ولا ثروات وأن أوطانهم خالية من الرجال الأشداء القادرين على حماية الأرض والعرض، وأنهم كانوا يناشدون إيران بإنقاذهم ولكنها تجاهلت لأن ذلك يتعارض مع مصالح خاصة بها. ونسوا جميعاً أن هناك العشرات من القمم والمؤتمرات التي تتهم إيران بالتدخل في الشؤون العربية بما في ذلك مناصرتها للشعب الفلسطيني، وأن الإعلام العربي في مجمله يهاجم إيران على مدار السنة ويكيل لها التهم بحياكة المؤامرات ضدهم، حتى حين تدخلها لحمايتهم وبناءً على طلبهم المباشر، يرجعون إلى السردية السابقة المناهضة لإيران بمجرد أن يستغنوا عن حمايتها كما حدث مع قطر خلال الأزمة الخليجية.

ولو فتشنا في أرشيف قناة الجزيرة سنجد تصريحاً لوزير الدولة القطري للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي، خلال اجتماع لجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة بتاريخ 12 سبتمبر 2017م، يؤكد فيه بالنص: «إن إيران أثبتت أنها دولة شريفة فهي لم تجبرنا على فتح أو إغلاق سفارة هنا وهناك».
وهذا الموقف من قطر كان لحظياً والأجدر أن تحمل الجميل تجاه موقف إيران من الحصار ومن الأزمة، لكنها العقلية الانتهازية التي لا تحترم إلا القوة ولغة التهديد، وقد أصابت الرياض كثيراً عندما أدركت هذه النقطة وبادرت بتضييق الخناق على الدوحة لابتزازها وبنفس المنوال الذي تمارسه واشنطن بحقهم جميعاً.

العبرة أن العرب يعرفون قيمة إيران عند الحاجة وهي لا تخذلهم على الإطلاق وكان الأولى أن يقفوا إلى جانبها وأن يشدوا على يدها في مواقفها المشرفة تجاه القضايا القومية، بدلاً من اعتبار ذلك الدعم تدخلاً في شؤونهم الخاصة ومحاولةً منها لقلب الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية، وهنا نذكِّر ببعض المواقف العربية المسيئة لإيران، والتي تحول دون تحريرهم من الهيمنة الصهيو-أمريكية:

ففي قمة جدة التي عُقدت في 19 مايو 2023م، أكدت الأنظمة العربية وفي مقدمتها السعودية، رفضها لما وصفته بالتدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، وطالبت طهران بالكف عن دعم الجماعات المسلحة، في إشارة واضحة إلى حركات المقاومة الفلسطينية.

وفي قمة الجزائر بتاريخ 1 – 2 نوفمبر 2022م، لم يختلف الموقف كثيرًا؛ إذ جدد القادة العرب دعوتهم إلى إيران بضرورة الالتزام بمبادئ حسن الجوار، مع تحميلها مسؤولية التوتر الطائفي في المنطقة وهو الخطاب نفسه الذي كثيرًا ما تبنّته واشنطن وتل أبيب لتبرير عدائهما لإيران ودعم سياساتهما في احتواء ما يطلقون عليه بــ"الخطر الإيراني".

أما قمة مكة الطارئة التي عُقدت في 30 مايو 2019م، فقد دعت القمة المجتمع الدولي إلى مواجهة ما وصفته بـ "التهديد الإيراني" في لغة تتماهى إلى حد كبير مع الأدبيات السياسية والإعلامية الغربية والصهيونية، والتي تعمل على تصوير طهران كخطر وجودي يتوجب كبحه.

وفي قمة الظهران المنعقدة بتاريخ 15 أبريل 2018م، تم التأكيد مجددًا على إدانة الدور الإيراني في اليمن عبر دعمه لأنصار الله، وهو الموقف الذي يتناغم مع سياسة محاصرة الثورة اليمنية ومنعها من الانتصار، بوصفها نموذجًا تحرريًا يتحدى الوصاية الخليجية والغربية ويحمل طابعًا واضحًا في تبني قضية فلسطين كأولوية.

وجاءت قمة عمّان في 29 مارس 2017م لتؤكد المنحى نفسه، حيث طالبت إيران بوقف تدخلاتها في العراق وسورية واليمن، متجاهلة أن وجود طهران في هذه الدول ارتبط في جزء كبير منه بدعم قوى المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني أو التوسع الأمريكي المباشر وغير المباشر.

إن هذه المواقف المتكررة لا يمكن عزلها عن المزاعم الحالية بخذلان إيران للعرب، ففي ذلك افتراء كبير على طهران التي لم تثنها كل تلك الشيطنة عن دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسل، ومناصرة الشعوب العربي الحرة في رفضها للوصاية الغربية وقد أثبت طهران أن كل مواقفها شريفة وتخدم القضية الفلسطينية بشكلٍ أو بآخر، فمساندتها للشعب اليمني تأتي في إطار مساندتها للأمة الإسلامية، وقد أثبت اليمنيون صوابية الموقف الإيراني عندما أثبتوا أن انتصار ثورة 21 سبتمبر المباركة هو انتصار لفلسطين ولكل الأمة الإسلامية، ولهذا كان لها نصيبها من العداء من قبل محور الخيانة والتطبيع.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب