السياسية -وكالات:


وجهٌ شاحب، عظام بارزة، جسد ذابل لا يقوى على الحركة.. هذه ليست صورة في فيلمٍ حزين، بل حقيقة طفلة من غزة اسمها لمياء، لم يتجاوز عمرها خمس سنوات، لكن المجاعة جعلتها تبدو كأنها شاخت قبل أوانها.


على سرير حديدي داخل قسم الأطفال في مستشفى أصدقاء المريض بمدينة غزة، ترقد الطفلة لمياء حجي بجسد نحيل ووجه شاحب غيّرته المجاعة. برزت عظامها بشكل مؤلم، حتى أن لمس يدها الصغيرة بات يسبب لها آلامًا تدفعها للبكاء المتقطع.


إلى جوارها، تجلس والدتها رضا البنى (29 عامًا) ممسكة بيدها المرتجفة كأنها تمنعها من الرحيل، وتقول بصوت متقطع لــ صحيفة "فلسطين": "لمياء لم تكن هكذا.. كانت مليئة بالحياة. الحرب سرقت ضحكتها، والجوع سرق جسدها يومًا بعد يوم".


رضا التي فقدت منزلها في حي الزيتون جراء قصف العدو الإسرائيلي، تواجه اليوم مأساة أكبر: محاولة إبقاء طفلتها على قيد الحياة وسط حصار يخنق غزة منذ ما يقارب العامين.


داخل المستشفى يرقد عشرات الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد. وجوه باهتة، عيون غائرة، أجساد هزيلة، وبكاء لا يتوقف.


يؤكد الأطباء أن نقص البروتينات والفيتامينات الأساسية وضع هؤلاء الأطفال في دائرة الخطر، في ظل غياب العلاج الغذائي اللازم.


تقول الأم، وهي تحتضن ابنتها: "المحاليل ليست كافية.. أجسادهم تحتاج طعامًا حقيقيًا، لكن لا شيء متوفر".


حين جاءت شقيقتها غادة (9 أعوام) وشقيقها ساجد (8 أعوام) لزيارتها، مدّا أيديهما الصغيرة نحوها، لكن لمياء لم تقوى حتى على العناق. دموعهما انهمرت بصمت، فيما حاولت الأم التماسك أمامهما، مدركة أن حياة ابنتها معلقة بفتح المعابر ودخول الغذاء، وهو ما يزال بعيد المنال.


تحذيرات المؤسسات الدولية تتزايد: آلاف الأطفال في غزة مهددون بالموت جوعًا، وعدد الضحايا يتصاعد يومًا بعد يوم. الأسواق شبه خالية من الغذاء، والأسعار إن وُجدت تفوق قدرة الناس على الشراء.


بعينين غائرتين ووجه أنهكته المجاعة، تتشبث رضا بأمل ضئيل: "أريد أن أراها تكبر، تذهب إلى المدرسة، تلعب مع إخوتها.. لا أريد أن أفقدها".


لمياء اليوم ليست مجرد طفلة مريضة، بل شاهد صامت على جريمة كبرى، تُرك فيها أطفال غزة ليذبلوا جوعًا، فيما العالم يكتفي بالمشاهدة.


إن مأساة لمياء وأطفال غزة ليست مجرد أرقام في تقارير إنسانية، بل حياة حقيقية تُسلب كل يوم. إنقاذهم لم يعد خيارًا، بل واجبًا أخلاقيًا وإنسانيًا عاجلًا على المجتمع الدولي، لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة وإدخال الغذاء والدواء قبل أن يُمحى جيل كامل من الأطفال.