السياسية || محمد محسن الجوهري*

بالنسبة لنا كشعب يمني، فإن كل حياتنا مرتبطة بالإسلام وبمبادئه العظيمة، وقد شاء الله أن نعرف الإسلام على يد خير خلقه بعد رسوله، صلوات الله عليهم أجمعين. فجمعة رجب تمثل نقلة نوعية وعظيمة للشعب اليمني، حيث انتقلنا من الظلمات إلى النور على يد الإمام عليه السلام، وفي هذا أعظم تكريم لأعظم شعب على الإطلاق.

وفي هذا أيضًا تجسيد لقوله تعالى: ﴿وَإِن تَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ فَلَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد:38]، وقوله تعالى: ﴿وَإِن يَكْفُر بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ [الحج:38]. وأبسط مقارنة بين إسلام أهل اليمن وإسلام أهل قريش تؤكد لنا أن أهل اليمن هم المعنيون في الآيتين الكريمتين.

وحتى اليوم، ارتبط اليمنيون بالنبي وآل بيته عليهم الصلاة والسلام، وفي كل مرة ينحرف اليمنيون عن المسار إلى التيه، يقيض الله عز وجل رجلاً من أئمة آل البيت ليستنقذهم من الضلال ويعيدهم إلى المسار الصحيح.

ففي نهاية القرن الثالث الهجري، وبعد أن تجاوز القرامطة كل أشكال القتل والظلم بحقنا، هيّأ الله لليمن الإمام الهادي يحيى بن الحسين ليستنقذهم من ذلك التيه ويعيدهم إلى المسار الصحيح.
وهكذا في كل عصرٍ من العصور، ولكل ضلال يأتي أمام ليَرْفَع من شأننا بمواجهة الباطل وأهله. وهكذا كان الوضع في زمن الاحتلالين العثمانيين لليمن؛ فلولا الله وأئمة آل البيت عليهم السلام، لاختفت هوية اليمن الإيمانية، ولأصبحنا أمة متناحرة ومطوَّعة للاستعمار الغربي الذي تلا العثمانيين.

ومن هنا يظهر دور القيادات الإيمانية في اليمن عبر العصور، التي لم تقتصر على توجيه الناس دينيًا فحسب، وإنما كانت صمام أمان للمجتمع وحافظًا على استقراره وهويته الإيمانية. فالأئمة الذين نهضوا بالشعب من الضلال أعادوا له توازنه، وأكدوا أن الارتباط بالإسلام هو أساس لحماية الأمة من الفوضى والتبعية للغزاة والطامعين، كما حدث في مواجهة كل أشكال الاحتلال والوصاية المفروضة من الخارج.

وعهدنا برسول الله صلى الله عليه وآله لا يزال قائمًا حتى اليوم، فبعد مرحلة من التيه الفكري، سادت فيها العقائد الضالة كالوهابية وغيرها، وبعد أن طال الامتهان للشعب اليمني من قبل أذناب الأذناب من أوصياء آل سعود على اليمن، كان لا بد من قائم حق من آل رسول الله لإعادة اليمن إلى مساره الصحيح. وبالفعل، كان المشروع القرآني الذي أعادنا إلى الإسلام الصحيح بقيادة علمين من أعلام آل البيت، هما السيدان حسين وعبدالملك بدرالدين الحوثي رضوان الله عليهما.

وحتى تعرف الفرق بين عظمة الإسلام وسوء التيه الذي يناقضه، فلك أن تقارن بين وضع المناطق الحرة في اليمن والمناطق الخاضعة لسلطة الاحتلالين السعودي والإماراتي. فالمناطق الحرة تقف اليوم مواقف إسلامية خالصة، ولعل نصرتنا للشعب الفلسطيني خير تأكيد على ذلك، بينما لا يستطيع المواطنون في مناطق الخونة التضامن مع الشعب الفلسطيني أو التعبير عن امتعاضهم من جرائم الصهاينة، كما أنه ليس مسموحًا لهم حتى بإدانة الإساءة الغربية لكتاب الله الكريم. وفي ذلك كل أشكال العبودية لغير الله، بخلاف ما هو عليه الحال في صنعاء والمحافظات الحرة.

وهذا ما يوضح بجلاء أن حرية الإنسان وقوة المجتمع مرتبطة بتمسكه بدينه وهويته الإيمانية، فلا تتحقق الحرية الحقيقية إلا في ظل سيادة مبادئ الإسلام واتباع تعاليم القرآن وأهل البيت عليهم السلام. أما في المناطق الخاضعة للاحتلال، فغياب هذه السيادة يجعل الناس عبيدًا لأوامر الغزاة، عاجزين عن الدفاع عن حقوقهم أو حتى التعبير عن موقفهم تجاه القضايا الإسلامية والإنسانية الكبرى، وهو ما يعكس حجم التيه والانحراف عن المسار الصحيح.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب