إدارة الجثامين: مشاهد مروعة وثقها الطب الشرعي تظهر آثار التعذيب للشهداء الفلسطينيين
السياسية - وكالات:
كشف عضو اللجنة المركزية لإدارة الجثامين المفرج عنها،سامح حمد، عن تفاصيل صادمة تتعلق بالجثامين التي سلمتها قوات العدو الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، مؤكداً أن كل جثمان وصل يحمل آثار تعذيب مروعة أدت إلى الموت.
وقال حمد لـموقع "فلسطين أون لاين"، اليوم الأثنين، إن الصور والمشاهد التي وثقتها طواقم الطب الشرعي والأدلة الجنائية "تفوق الوصف الإنساني"، مشيرا إلى أن ما شاهده الخبراء يؤكد وجود سياسة إسرائيلية ممنهجة لإخفاء الهوية وطمس الأدلة.
وأوضح حمد، وهو مختص في الأدلة الجنائية، أن الجثامين التي تسلمتها الطواقم الفلسطينية وصلت في حالة تجميد شديد بلغت نحو 180 درجة تحت الصفر، وكانت معظمها متحللة، مضيفا أن كل جثمان خضع لتعذيب قاس أفضى إلى الموت.
وأكد أن المعاينات الطبية الشرعية تشير بوضوح إلى أن عددا من الشهداء قد تعرضوا لعمليات إعدام ميداني بعد اعتقالهم، في خرق صارخ لكل القوانين الدولية.
وبين أن اللجنة تسلمت من العدو الإسرائيلي، عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 195 جثمانا، وصلت جميعها إلى مجمع ناصر الطبي في خان يونس في حالتي تعفن وتحلل متقدمتين، ما صعب عملية الفحص والتعرف عليها.
وأشار إلى أن العدو لم يرفق أي كشوف بأسماء الشهداء رغم سحبه عينات DNA من الجثامين، الأمر الذي أجبر اللجنة على اعتماد طرق بدائية في تحديد الهوية، من خلال المعاينة المباشرة للأهالي في ظل غياب أجهزة الفحص الفوري.
وأضاف حمد أن الجثامين وصلت على عدة دفعات منذ الخامس عشر من أكتوبر، ضمت الأولى خمسة وأربعين جثمانا مكبلي الأيدي، والثانية خمسة وأربعين جثمانا مصابة بأعيرة نارية من مسافات قريبة، والثالثة ثلاثين جثمانا بدت عليها آثار شنق وحروق، والرابعة سبعين جثمانا سحقت تحت جنازير الدبابات والسيارات.
وأوضح أن هذه الجثامين تمثل جزءا من 450 جثمانا سيُفرج عنها العدو وفق اتفاق وقف العدوان، بحسب ما أبلغت به اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتابع أن صور الجثامين نشرت على موقع “صحتي” التابع لوزارة الصحة لإتاحة الفرصة للأهالي للتعرف عليها بعد امتناع العدو عن إرفاق أي بيانات شخصية. وظهرت الجثامين في الصور معصوبة الأعين ومقيدة الأيدي، وأخرى بحبال تلتف حول الرقبة، فيما بدت عظام مهشمة وجلود محترقة ووجوه مشوهة. كما وجدت حالات بتر في أصابع اليدين والقدمين، وعلامات في أعلى الفخذ تؤكد أن العدو أجرى فحوص الحمض النووي لكل جثمان ويحتفظ ببياناتها.
وأوضح أن اللجنة التي تستلم الجثامين تضم أخصائيين في الطب الشرعي وخبراء في الأدلة الجنائية وقانونيين، حيث يجري التعرف على الجثامين من خلال الفحص الظاهري وتحديد العلامات الفارقة في الجسد مثل الوحمات وآثار العمليات الجراحية والجسور السنية والندوب والكسور وكف اليد والأظافر والأصابع والشعر وغيرهامن العلامات. كما يستدل على الهوية من خلال المقتنيات الشخصية كالملابس والأحذية والمحفظة والهاتف وخاتم الزواج، ويمنح كل جثمان رمزا خاصا يوثق في قاعدة بيانات دقيقة تشمل الصور والتفاصيل بعد فحصها طبيا.
وأشار حمد إلى أن صور الجثامين تعرض يوميا في قاعتين بمجمع ناصر الطبي أمام مئات العائلات من ذوي المفقودين، من التاسعة صباحا حتى الثانية ظهرا، وتمنح كل مجموعة مدة عشرة أيام للتعرف على ذويها قبل دفن الجثامين. وعند تطابق العلامات وتحديد الهوية، تستكمل الإجراءات لتسليم الجثمان رسميا ودفنه وإصدار شهادة وفاة.
ولفت إلى أن العدو يسلم الجثامين في أكياس بلاستيكية غير مخصصة لحفظها، ما يؤدي إلى طمس الطبقة الجلدية وتشويه الملامح وإخفاء آثار التعذيب. وبين أن أبرز العلامات التي رصدت على الجثامين تمثلت في تعصيب الأعين وتكبيل الأيدي والأرجل بأصفاد بلاستيكية، وطعنات في الوجه والصدر والرقبة، وآثار حروق وجروح قطعية في منطقة البطن تشير إلى احتمال سرقة أعضاء بشرية أو إجراء عمليات جراحية أفضت إلى الموت، إضافة إلى جثمان عثر عليه معلقا بحبل حول رقبته.
وأوضح أن الجثامين المجهولة تدفن في مقبرة جماعية بمدينة دير البلح، حيث يخصص لكل جثمان قبر يحمل رمزه وما يتوفر من بياناته.
وأشار إلى أن أول دفعة مكونة من أربعة وخمسين جثمانا دفنت وتعرف الأهالي بعد الدفن على أربعة منها فقط.
وأكد أن العدو يتعمد إخفاء العلامات الفارقة عبر إطلاق النار على مناطق البطن أو الصدر أو تهشيم الرأس، مشيرا إلى حادثة مؤلمة تعرف فيها أحد الأهالي على جثمان ابنه الذي استشهد في السابع من أكتوبر 2023 من حذائه فقط، بعد مطابقة فيديو يظهر مستوطنين يدهسون رأسه بسيارة.
ولفت إلى أن وضع الجثامين في أكياس غير مخصصة تسبب في إذابة الطبقة الجلدية الأولى وطمس الملامح، مرجحا أن العدو وضع الجثامين في تلك الأكياس عدة أيام قبل تجميدها، ما أدى إلى وصولها إلى مراحل التعفن الرمي والتحلل الرمي، إذ يذوب اللحم عن العظم وتفقد الملامح بالكامل.
وأوضح أن هذه الحالات تؤكد أن العدو يتعمد إخفاء هوية الشهداء، فقد أرفق مع الجثامين ستة أسماء فقط، واحد منها صحيح والبقية خاطئة، من بينها اسم لشخص حي في غزة ولم يعتقل، مؤكدا أن العدو لم يلتزم بأي من وعوده بتقديم معلومات إضافية عن الجثامين.
وأكد حمد أن نشر صور الجثامين لم يكن خيارا طبيعيا، بل ضرورة لتوثيق الحقائق ومساعدة الأهالي في التعرف على ذويهم. موضحا أن اللجنة أخذت عينات من أنسجة الجثامين واحتفظت بها إلى حين توفر المعدات اللازمة للفحص، كما تحفظ صور كل جثمان في الأرشيف لتكون جاهزة لأي قضايا يمكن رفعها أمام المحاكم الدولية.
وأشار إلى أن اللجنة تعد تقريرا شاملا لكل جثمان يتضمن بياناته والعلامات الفارقة والمقتنيات وطبيعة الوفاة والصور الموثقة، مبينا أنه حتى الآن جرى التعرف على 65 جثمانا من أصل 195.
وشدد حمد، على أن ما يجري لا يعكس فقط حجم الوحشية التي مورست بحق الشهداء، بل يبرهن على سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى طمس الأدلة والهوية، وإخفاء الحقيقة، وحرمان العائلات الفلسطينية من حقها الطبيعي في وداع أبنائها والتعرف عليهم، وملاحقة القتلة والاقتصاص منهم.

