العلم الوطني يُدنس في الجنوب
السياسية || محمد محسن الجوهري*
يحاول مرتزقة اليمن أن ينفخوا الروح في مشروعٍ فتنوي عنوانه العلم الوطني، زاعمين أن رجال الرجال في صنعاء يسيؤون إليه، وكالعادة، فمن يسيئ للأنصار يأتيه الرد من داخل معسكره، فالمجلس الانتقالي الذي يسئ للعلم الوطني منذ تأسيسه منتصف العام 2017، هو نفسه الذي يتحالف معه الخونة من دعاة الوطنية كالعفافيش وغيرهم، وعلى مرمى حجر من مواقعهم يحرق المرتزق الانتقالي العلم اليمني على مرمى ومسمع من كل خائنٍ وعميل.
وكما أسلفت، فإن المفارقة التي تفضح هذا الادعاء أن من يسيء إلى الأنصار باسم العلم، لا يأتيه الرد من خصومه، بل من داخل معسكره ذاته. فالمجلس الانتقالي الجنوبي، هو أكثر كيان سياسي في اليمن أساء للعلم الوطني قولًا وفعلًا. فمنذ لحظة ولادته، تعامل مع العلم اليمني بوصفه رمزًا "دخيلًا"، لا جامعًا، واعتبره عائقًا أمام مشروعه الضيق، لا عنوانًا لوطن يتسع للجميع، كما أن فكرة المجلس بكلها تتعارض مع أي مشروع وطني صادق في اليمن، ومن يقبل به فهو شريك في مؤامرة الصهاينة لتفكيك البلاد.
ورغم هذه الحقيقة الصارخة، يصرّ من يسمّون أنفسهم "دعاة الوطنية" من بقايا نظام عفاش ومن لفّ لفّهم على التحالف مع المجلس الانتقالي، في واحدة من أكثر صور النفاق السياسي وقاحة. فأولئك الذين يذرفون دموع التماسيح على العلم، ويشنّون حملاتهم الإعلامية ضد صنعاء بحجة الدفاع عنه، يقفون في الصف ذاته مع كيان يرى في هذا العلم خصمًا يجب حرقه وعتدي على كل من يرفعه في عدن والمحافظات الجنوبية، وهنا لا نتحدث عن اتهامات أو تأويلات، بل عن مشاهد موثقة، يُحرق فيها العلم اليمني علنًا، وعلى مرمى حجر من مواقع هؤلاء "الوطنيين"، أمام أعينهم، وبصمتهم، وبموافقتهم الضمنية.
ففي أي منطق وطني يمكن تبرير هذا التناقض؟ كيف يصبح من يحرق العلم حليفًا، ومن يرفعه في مواجهة العدوان متهمًا؟ كيف يُتّهم من صمد في وجه الحصار والدبابات بإهانة الرمز، بينما يُكافأ من داسه بالأقدام لأنه يخدم أجندة الخارج؟ الإجابة بسيطة وواضحة: القضية ليست علمًا ولا وطنًا، بل اصطفاف سياسي رخيص، تحكمه الحسابات الشخصية والارتباطات الخارجية، لا المبادئ ولا الثوابت، وكلنا نعرف آل عفاش وحقيقة وطنيتهم.
أما الخطاب الذي يحاول مرتزقة اليمن تسويقه اليوم يقوم على قلب الحقائق، وتحويل الرموز إلى أدوات ابتزاز. فهم لا يدافعون عن العلم بوصفه جامعًا لكل اليمنيين، بل يستخدمونه عصا لضرب خصومهم، ثم يرمونه جانبًا حين يتعارض مع مصالحهم أو مع تحالفاتهم المشبوهة. ولهذا لم نسمع لهم صوتًا واحدًا وهم يرون العلم يُهان في ساحات الجنوب، ولم نقرأ بيان إدانة، ولم نشهد موقفًا "وطنيًا" واحدًا ينسجم مع ضجيجهم الإعلامي.
أما في صنعاء بقي العلم الوطني رمزًا للسيادة في وجه من أرادوا تحويل اليمن إلى كانتونات ممزقة. أما أولئك الذين يرفعون صوره اليوم في حملات التشويه، فهم أنفسهم من صفقوا لمن داسه، وسكتوا عن حرقه، وتحالفوا مع من يكرهه.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة أكثر صلابة من كل حملات التضليل: من أراد الدفاع عن العلم، فليدافع عن الوطن أولًا، ومن احترم الرمز، لا يتحالف مع من يحرقه. أما الوطنية التي تُستدعى عند الحاجة وتُدفن عند أول تعارض مع المصالح، فليست سوى قناع هشّ يسقط مع أول اختبار.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

