طفولة معلّقة ويدٌ مشلولة.. مأساة أسرة نازحة في جنوب غزة
السياسية - تقــــرير :
في غزة، لا يبدأ الألم برصاصة ولا ينتهي بضماد. بين جدران مدرسة تحولت إلى مأوى للنازحين في خان يونس، تختصر أسرة أبو عزوم حكاية وجعٍ مضاعف؛ طفلٌ صادرت الإصابة طفولته، وأبٌ أقعدته الرصاصة عن لقمة العيش، وأمٌّ تحمل وحدها ثقل الحياة، وتقاوم الانكسار بأملٍ لا ينكسر.
منذ قرابة أربعة أشهر، يصارع الطفل ساهر أبو عزوم (11 عامًا) آثار إصابة خطيرة أقعدته عن الحركة، بعدما أصابت رصاصة صهيونية متفجِّرة رأسه داخل إحدى مدارس خان يونس، حيث تقيم العائلة عقب نزوحها القسري من مدينة رفح. وفي الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي، كان ساهر يزور خيمة جده قبل أن ينقطع أثره؛ ليعثر عليه أهله لاحقًا في العناية المركزة بمجمع ناصر الطبي.
تجاوز ساهر مرحلة الخطر، لكن حياته انقلبت رأسًا على عقب. شللٌ في جانبه الأيسر، وجلسات علاج طبيعي مكثفة، إضافة إلى فقدانه جزءًا من جمجمته، ما يجعله عرضة لالتهابات متكررة تستدعي تدخلات طبية مؤلمة بين حين وآخر.
تقول والدته، أنس أبو عزوم لـ صحيفة (فلسطين): «يعاني ابني آلامًا شديدة في الرأس والظهر، مع ارتفاع مستمر في الحرارة وتشنجات لا تفارقه».
أقرّ الأطباء لساهر تحويلة علاج طارئة إلى الخارج لزراعة عصب في يده وتركيب عظام صناعية لجمجمته، غير أن استمرار إغلاق معابر قطاع غزة حال دون سفره حتى اللحظة.
ولم تتوقف مأساة الأسرة عند هذا الحد؛ فبعد شهر من إصابة ساهر، أُصيب والده حسين برصاصة متفجِّرة أثناء توجهه لجلب الطعام قرب محور “موراغ”، ما أدى إلى تهشُّم عظم يده وتلف الأعصاب وفقدان الإحساس بها، ليخضع لسلسلة عمليات جراحية، ويصبح هو الآخر بحاجة إلى زراعة عصب خارج القطاع.
ومع إصابة الأب وتوقفه عن العمل، أصبحت المسؤوليات الثقيلة على كاهل الأم وحدها؛ بين متابعة علاج زوجها وابنها البكر، ورعاية طفلَيها الأصغر سنًا، في ظل أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة. تقول أنس: «لا مورد لنا سوى ما يجود به أهل الخير. نوفّر الأدوية عندما تصلنا تبرعات، أمّا في غير ذلك فأقف عاجزة تمامًا».
بين طفلٍ يحلم بالحركة من جديد، وأبٍ يتوق للعودة إلى عمله، تناشد الأم المؤسسات الصحية الدولية الإسراع في إجلاء ساهر للعلاج في الخارج، على أن يكون والده مرافقًا له، ليتمكنا من تلقي العلاج معًا.
قصة أسرة أبو عزوم ليست رقمًا في سجل الإصابات، بل شهادة حيّة على وجعٍ مستمر ينتظر تدخلًا عاجلًا. وحده فتح أبواب العلاج يمكن أن يعيد لهذه الأسرة حقها في الحياة… حياة لا تكون فيها الرصاصة هي التي تحدد المصير.

