محمد محسن الجوهري*

في عام 1990، وخلال حرب الخليج، خرج اليمنيون بكل فئاتهم لتأييد النظام العراقي في مشروعه لتحرير بلاد الحرمين من عملاء الصهاينة، وهو الخروج الجماهيري الأول من نوعه ضد الأعداء التاريخين لليمن، فقد وجد الشعب في صدام حسين الزعيم الذي سيخلصهم من تسلط الجارة الكبرى القائم منذ اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.

إلا أن الغريب في ذلك هو خروج جماعة الإخوان (حزب الإصلاح لاحقاً) ضمن الجماهير المتعطشة لسقوط النظام السعودي، وتصدرت قيادتهم السياسية والدينية المشهد وأيدت خروج اليمن من العباءة الكهنوتية، وكان لذلك التأييد صداه الواسع في الشعب اليمني، ومن هنا بدأت الجماعة في التغلغل على نطاق واسع في العمق الشعبي للبلاد، فقد رأت القبيلة اليمنية في موقف الزنداني والأحمر خروجاً عن الإرادة السعودية التي ارتبطت بها منذ تأسيسها عام 1928.

لاحقاً، وخلال التحرك الجماهيري الواسع للجماعة في الشارع اليمني، كان نشطاء الإخوان يتباهون بشعبية تنظيمهم العالمية حتى في بلاد الحرمين، وأنهم قادرون على إعلان ثورة إسلامية فيها تفوق تلك التي عصفت بشاهة إيران قبل عقود، وأن كل دوائر الدولة السعودية ومؤسساتها الدينية وغير الدينية والجامعات والمدارس لا تخلو من عناصر الإخوان وأدواتهم، وهذه حقيقة لأن النظام السعودي كان يتبنى الجماعة ويدرس أفكارها للنشء بطريقةٍ رسمية.

ومع انطلاق الثورات العربية عام 2011، كانت الفرصة سانحة للإخوان لتحقيق حلمهم الأزلي في السيطرة على الحرمين الشريفين وحكم البلاد الإسلامية كاملة من خلالهما، إلا أن النظام السعودي نجح في شراء القيادات المؤثرة في الجماعة في حينها، وألهاها بتفجير الوضع في بدان أخرى كاليمن وليبيا وسورية، قبل أن ينقلب لاحقاً على الجماعة ويبدأ بمحاصرة تلك الرؤوس وتصفيتها أو الزج بها في السجون، بعد أن أمن آل سعود فوات الفرصة عليهم لإعلان الثورة المنتظرة، وقد بدء القمع العلني بعد ثورة 30 يونيو المصرية سنة 2013، والتي تبناها آل سعود ومولوها علناً، وهو أول موقف عدائي للسعودية ضد الجماعة، وبذلك تنتهي العلاقة التي دامت لنحو ثمانين عاماً بين آل سعود وجماعة الإخوان، وهي العلاقة التي نشأت منذ عهد مؤسس الدولة السعودية ومؤسس الجماعة ابن سعود والبنا، ولم تخرج تلك العلاقة بأي إنجازات أخلاقية تخدم الأمة الإسلامية.

عندئذٍ فقط سمعنا إخوان اليمن يهاجمون آل سعود ويدعون إلى محاربتهم، وسمعنا لأول مرة عبارات تؤكد صهيونية آل سعود وأن الشرف كله في معاداتهم وليس في التحالف معهم، ولكنها كانت صحوة متأخرة، وبعد فوات الأوان ونجاح النظام السعودي في تشويه سمعة الثوار في أغلب البلاد العربية بما فيها مصر، منبع الجماعة الأول.

ومع إعلان السعودية العدوان على اليمن بتوجيهاتٍ أميركية معلنة، هرع إخوان اليمن إلى تأييدها في قتل شعبهم، وهذا من التناقضات الكبرى للإخوان اليمن، فهم يرضخون دوماً للسعودية بمجرد أن تقدم الفتات لقادتهم، وقد أثمر ذلك التأييد استنزاف إخوان اليمن وقتل الآلاف منهم على حدود المملكة وضمن مشروعها الصهيوني لإخضاع البلاد، ولولا الإخوان وتضحياتهم الجسمية لسقط النظام السعودي إلى الأبد، وهذه حقيقة يتباهون بها حيناً، ويتحرسون بسببها أحياناً أخرى.

وقد تغيرت الأحوال من بعد الأزمة الخليجية، فقد وجد إخوان اليمن في الصراع القطري السعودي فرصة للترويح عن معاناتهم من الغدر السعودي المستمر بحقهم، وبدأوا يتحدثون عن حجم النيران الصديقة للتحالف السعودي والتي فتكت بمجاميعهم في الجبهات اليمنية، ما تسبب في هلاك القوة البشرية للحزب وهي حصيلة عقود من الإعداد والتثقيف المغلوط للمغرر بهم من شباب البلاد.

ومن أجل كل ذلك وأكثر، فإن من الحكمة أن تعلن جماعة الإخوان ثورتها من داخل المملكة لا من خارجها، وعوضاً عن القتال غير المجدي لها في جبهات اليمن وسورية، فإن الأجدى أن تفتح جبهتها ضد آل سعود وأن تسقط نظامهم الإجرامي، فالإخوان قوة شعبية كبرى في المملكة، كما أن التحرك لإسقاطهم اليوم هو الأنسب في ظل الغضب الشعبي المتفشي جراء سياسات بن سلمان غير الأخلاقية، إضافة إلى أن الأمر سيخلق شعبية واسعة للجماعة في العالم الإسلامي، فالكل اليوم بات يدرك مدى عمالة هذا النظام وخدمته للصهيونية على حساب الأمة الإسلامية وثوابتها العظيمة وقضيتها المركزية.

ولا أعتقد أن التنظيمات الدينية الأخرى، ستعترض على هذه الثورة، ونحن في اليمن سنؤيد أي تحركات معادية لآل سعود كما أيدنا في ذلك النظام العراقي من قبل، وسيكون للجبهة اليمنية إسهام كبير في تحرير بلاد الحرمين، خاصة إذا رفع إخوان اليمن حمايتهم عن الجيش السعودي وأسهموا إلى جانب إخوان المملكة في الثورة الإسلامية الكبرى لتحرير البقاع المقدسة، ونصرة القضايا القومية الكبرى في أصقاع المعمورة، والفرصة ربما لن تتكرر فجماعة الإخوان إما أن تتحرك اليوم أو تتلاشى إلى الأبد بعد حظرها بتوجيهاتٍ أميركية.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب