أ.د عبدالعزيز بن حبتور*


سررت كثيرًا عند استلامي العمل العلمي النوعي الذي أنجزه صديقي الأكاديمي الباحث الجاد المتميز/ مهدي محمد حسين المشاط يحفظه الله ويرعاه في أطروحته العلمية المتميزة في مجال الفكر السياسي الحديث، تحت عنوان "ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر وتأثيراتها على الجمهورية اليمنية والمنطقة العربية"، هذه الثورة الشعبية التي حملت عبئها وأهدافها جماهير الشعب اليمني بمختلف مكوناته، وفي طليعتهم كوكبة من المجاهدين الأحرار الذين نذروا حياتهم وأرواحهم من أجل تحقيق أهدافها وقيمها ومبادئها الثورية القرآنية، وعدد من المؤسسين للفكر التجديدي المستمد من الثقافة القرآنية المقاوم للهيمنة الإمبريالية الأمريكية والماسونية اليهودية المعادية للتطور الإنساني على مدار التاريخ البشري.

وفي 21 سبتمبر 2014 تم إعلان انتصار الثورة اليمنية التجديدية المباركة والتي قصدت مواصلة إصلاح دوائر ومؤسسات الدولة اليمنية المترهلة، وتحقيق مبادئ الثورات اليمنية المباركة، وتحقيق العدالة، والحرية، ورفع مستوى معيشة الإنسان اليمني الحر في ربوع اليمن كافة.

إن ضبط المسيرة السياسية لثورة 21 سبتمبر بضوابط وأنماط بحثية علمية أكاديمية هي مسألة غاية في الأهمية التاريخية لتوثيق وترصين الدراسات السياسية بضوابط أكاديمية علمية ومنهجية، والأقسام العلمية والكليات بالجامعات اليمنية هو أنسب مسرح تثار فيه تلك المجادلات والنقاشات والحوارات للأطروحات العلمية؛ لتحويل الفكرة من سرديات سطحية وعامة إلى دراسات علمية أكاديمية تاريخية موثوقة ورصينة كي تصبح مصدرًا موثوقًا للمراجع العلمية التاريخية الرصينة لمستقبل الأجيال في مؤسساتنا اليمنية وعالمنا العربي.

إن الاختيار الأكاديمي المنهجي لعنوان "الرسالة" له الكثير من الدلالات والمعاني نورد أبرزها في النقاط الآتية:

أولًا: تراكم العوامل الموضوعية والذاتية؛ تمهيدًا لأحداث الثورة اليمنية، ومقدماتها في الحادي والعشرين من سبتمبر عام 2014م.

ثانيًا: تراكم المظالم الإنسانية على شريحة مهمة من المجتمع اليمني وحصرها في مساحة جغرافية تضاريسية منعزلة.

ثالثًا: التعامل السياسي الحزبي المعادي للمنهج الفكري والعقدي والإنساني لشريحة واسعة من الشعب اليمني، مما اضطرها إلى الوقوف خلف معتقداتهم الدينية بحزم؛ كي لا يفقدوا بوصلة توجههم التاريخي والديني والمتراكم منذ أزيد من ألف ومائة عام ونيف.

رابعًا: التهميش والتمييز السياسي والإداري الذي مورس على أجيال من منتسبيهم بمن فيهم من مفكرين وسياسيين وقادة الفكر السياسي ومثل ذلك الخطأ التأريخي يتكرر بين تجربة وأخرى في العديد من التجارب الثورية والإنسانية في دول العالم الثالث.

خامسًا: منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، وقيام ثورة 14 أكتوبر 1963م رفعتا عددًا من الشعارات التزم بها مؤسسو الثورة؛ ولأسباب موضوعية والعديد منها ذاتية لم تتحقق تلك الشعارات الثورية، ولا البرامج السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية وظلت حبيسة الأدراج لأسباب بيروقراطية قبلية مناطقية وجهوية.

سادسًا: ظل العامل الخارجي المتدخل في شؤون اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي عاملاً مثبطًا وكابحًا لأية إجراءات ثورية هادفة إلى التغيير وفق المنهجية العلمية وترجمة أهداف الثورة إلى واقع ملموس، ففي الشمال اليمني تدخلت الجارة "الشقيقة" المملكة العربية السعودية بثقلها المالي؛ لشراء ولاءات زعماء العشائر والقبائل اليمنية كي تكون بديلاً عن مؤسسات الدولة العصرية.

سابعًا: في الشطر الجنوبي من اليمن تم فرض نظام سياسي شاذ ودخيل على شعبنا، وأمتنا، وديننا الإسلامي الحنيف، وتم زرع نظام إلحادي شمولي توتاليتاري وهو نظام ماركسي لينيني ملحد لم يتواءم معه المجتمع مطلقًا، وظل يصارع ذاته ويصارع المجتمع حتى تخلص الوطن منه بإعلان الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م.

تلك الدراسة المنهجية الأكاديمية الرصينة جاءت لتحصد وتجسد كل تلك النتائج، من جراء ما نتج من المقدمات التأريخية الموضوعية والعلمية.

تأتي هذه الدراسة العلمية المهمة في زمن استثنائي جدًا للجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء ودورها المحوري على الساحة العربية والإقليمية، فقد صادف كتابتها وإنجازها الأكاديمي مع حدوث أحداث ومواقف ومناسبات استثنائية جدًا، نبرز منها الأهم وهو:

لأول مرة في تاريخ الجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء بأن تقوم اليمن – بقائدها الحبيب عبدالملك بدر الدين الحوثي- بقيادة محور مقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني في العالم الإسلامي وتؤازر المقاومة الجهادية الفلسطينية في قطاع غزة وفلسطين برمتها، وبعد أن تعرضت المقاومة الإسلامية في لبنان للاختراق الأمني الخطير من قبل الموساد الصهيوني، واستشهاد شهيد فلسطين سماحة السيد/ حسن نصرالله مع كوكبة من قيادة حزب الله، وبعد سقوط الجمهورية العربية السورية من محور المقاومة بفعل تآمر الملوك العرب والحركة الصهيونية الأمريكية الإسرائيلية.

ولأول مرة في التاريخ يتم ضرب المدن "الإسرائيلية" في فلسطين المحتلة بصواريخ فرط صوتية، والمسيرات الجوية اليمنية انطلاقًا من الأراضي اليمنية، ومن صنعاء تحديدًا، وصولًا إلى ميناء أم الرشراش، وتل أبيب "يافا الفلسطينية المحتلة"، ووصولًا إلى مطار اللد "مطار بن غوريون" وميناء حيفا.

ولأول مرة تدخل قوات جيش الجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء في معركة بحرية مباشرة مع ثلاث قوى كبرى معادية هي "الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والكيان الصهيوني الغاصب"، واستمرت المعركة بضراوة لعام ونصف حتى استسلم الأعداء وطلبوا تدخل ووساطة وزارة الخارجية العمانية؛ للتوسط والحل، لانسحاب الأساطيل الأمريكية، وحاملات الطائرات الأمريكية من البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ووقف العدوان على الجمهورية اليمنية، مقابل توقف اليمن عن استهداف السفن الأمريكية، دون أن يشمل ذلك الاتفاق وقف الصواريخ اليمنية المتجهة صوب الكيان الإسرائيلي الصهيوني.

ولأول مرة في تاريخ الصراع العسكري مع الكيان الصهيوني، والجيوش الإسلامية والعربية، قامت القيادة الروحية والعسكرية والأمنية في جمهورية إيران الإسلامية بتوجيه ضربات صاروخية فرط صوتية وعبر الطائرات المسيرة بشكل مؤثر ومؤلم ومدمر للقواعد والمطارات العسكرية، ووزارة الدفاع والأمن الصهيوني وأكاديميات التنصت والتجسس العبري ضد الوطن العربي والدول الإسلامية، وضد الموانئ والمطارات، والمدن الإسرائيلية.

ولأول مرة في التاريخ يحقق جيش إسلامي ملتزم بقيم الإسلام الحنيف والمقاومة والجهاد، وهو الجيش الإيراني المسلم يحقق الانتصار الساحق على جيش الكيان الإسرائيلي الصهيوني، ويدك أنظمته السيبرانية والتجسسية والأمنية، وهذا لعمري شرف عظيم تميز به محور المقاومة ضد المشروع الصهيوني دون سواه من الأنظمة العربية المطبعة علنًا وتحت الطاولة.

أمام كل هذه الأوضاع العسكرية الاستثنائية في إقليمنا العربي والإسلامي الملتهب، وشخص الباحث الجاد الذي لم يكل ولم يمل من تقليب صفحات المراجع العلمية والتأريخية والتقارير المتعددة، يكتب لإنجاز بحثه هذا بجدية عالية، وهنا نذكر القارئ اللبيب بأن المشير الركن/ مهدي محمد المشاط رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية اليمنية، وعاصمتها صنعاء، كان يوجه جميع وحداتنا العسكرية المسلحة والأمنية بالقيام بمهامها في البر والبحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي، وصولًا إلى المحيط الهندي وحتى ميناء أم الرشراش وحيفا، وأسدود، ويافا، وحيفا.

من هنا يأتي تقدير الزمن الاستثنائي والتاريخ الناصع البياض، وقائد الثورة الملهم، والمجلس السياسي الأعلى، وحكومة التغيير والبناء، وشعبنا اليمني العظيم الوفي لجهود ونشاط، وعنفوان، وصبر الرئيس مهدي المشاط يحفظه الله.

"وفوق كل ذي علم عليم".

* عضو المجلس السياسي الأعلى
* المقال يعبر عن رأي الكاتب