استراتيجية البقاء.. كيف يصيغ الاحتلال رواية العدوان لتحقيق أهدافه؟!
فهد شاكر أبوراس*
تحولت رواية ُالحرب التي يروّجها رئيس وزراء كَيان الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو منذ هجمات السابع من أُكتوبر إلى أكثر من مُجَـرّد سردٍ للوقائع، بل إلى مناورة دعائية وسياسية معقدة تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف مترابطة:
- تحويل الانتباه عن الفشل الأمني والسياسي التاريخي لحكومته.
- تصعيد الحرب تحت شعارات إيديولوجية.
- محاولة كسر العزلة الدولية المتصاعدة حول الاحتلال.
يستند خطابُه إلى تشويه المقاومة الفلسطينية واستدعاء ذاكرة تاريخية مؤلمة لخدمة أغراض سياسية آنية، مقدمًا كَيان الاحتلال في صورة الضحية التي تواجه خطرًا "غير إنساني" في محاولة لنزع الشرعية عن أي فعل مقاوم.
الهدف الأول: تحويل البُوصلة عن الفشل
في أعقاب الصدمة التي خلّفها هجوم السابع من أُكتوبر، سارع نتنياهو إلى لوم أجهزته الأمنية والاستخباراتية علنًا، في محاولة واضحة لتصدير الأزمة وتفادي المساءلة الداخلية.
واضطر لاحقًا للاعتذار وحذف تغريدة اتهم فيها تلك الأجهزة، مؤكّـدًا أن التحقيقات ستأتي بعد "تحقيق النصر الكامل".
يكشف هذا الموقف عن هشاشة الرواية الرسمية، خَاصَّة بعد أن أَدَّت ردود أفعال غاضبة من مسؤولين إعلاميين مقربين إلى كشف معلومات حساسة حول تفاصيل الليلة المشؤومة، قبل حذفها على عجل.
تجري هذه الأحداث وسط سياق سياسي داخلي مضطرب، حَيثُ يهدّد ضغط شركائه في الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف، الرافضين لأي وقف لإطلاق النار، باستقرار حكومته.
وبالتالي، فإن استمرار الحرب لا يخدم فقط أهدافًا عسكرية، بل يلعب دورًا سياسيًّا داخليًّا بالغ الأهميّة: تأجيل ساعة المحاسبة وتهدئة مطالب الائتلاف الحاكم؛ مما يحوّل المعاناة الإنسانية في غزة إلى رهينة في حسابات السياسة الداخلية الإسرائيلية.
الهدف الثاني: تصعيد الحرب تحت شعارات أيديولوجية
يتجاوز خطاب نتنياهو التبرير العسكري المباشر، ليرتقيَ إلى مستوى صراع وجودي تصويري.
فهو يصور المعركة على أنها "معركة الحضارة ضد الهمجية"، محذرًا من أن "هذا الوباء سينتشر.. وأُورُوبا هي التالية".
يصل هذا الخطاب إلى ذروته بتوظيف مصطلحات مثل "معادَاة السامية" و"الهولوكوست" بشكل سياسي صريح، حَيثُ تتم مساواة انتقاد سياسات كَيان الاحتلال بمعادَاة اليهود، ومقارنة حماس بالنازية، في استغلال مثير للجدل لذكرى المحرمة.
هذا التصعيد الخطابي لا يهدف فقط إلى تعبئة الدعم المحلي، بل يخلق أَيْـضًا ذريعة أيديولوجية لتبرير التوسع العسكري المحتمل.
وهو ما يتوافق مع رؤى توسعية عبر عنها نتنياهو سابقًا، وتلميحات دعمه لحركات استيطانية متطرفة تسعى لاستعمار أجزاء من دول مجاورة مثل لبنان؛ مما يشير إلى أن الحرب في غزة قد تكون مقدمة لصراعات إقليمية أوسع.
الهدف الثالث: محاولةٌ يائسةٌ لكسر العُــزلة الدولية
في مواجهةِ الدمار الهائل في غزةَ والعُزلة الدبلوماسية المتزايدة، تحوَّلت خطاباتُ نتنياهو في المحافل الدولية إلى عروض مسرحية فجّة.
بلغ الأمر ذروته في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حَيثُ لجأ إلى أدواتٍ بصرية مبتذلة وطالب بنصب مكبَّرات صوت على حدود غزة لبث كلمته مباشرة للسكان، في مشهد وصفه المراقبون بأنه "استعراض دعائي" أكثرَ منه خطابًا سياسيًّا جادًّا.
لكن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع.
القاعة الشبه الفارغة أثناء خطابه كانت مؤشرًا صارخًا على تراجع المكانة الدولية لكيان الاحتلال.
ويتعمق هذا الفشل؛ بسَببِ:
رفض دولي متزايد: تصريحات حلفاء تقليديين، مثل أستراليا التي انتقدت الحرب وأعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطين.
تناقض صارخ مع الوقائع: تتعارض ادِّعاءات نتنياهو بمنع المجاعة ودقة العمليات مع تحذيرات الأمم المتحدة من كارثة إنسانية وحقيقة أن غالبية الضحايا من المدنيين.
تراجع الدعم الأمريكي: بات نتنياهو شخصية "مثيرة للانقسام" حتى في واشنطن، حَيثُ أصبح الدعم غير المشروط "صعب التبرير".
يرى محللون أن الضغوط الأمريكية أعادت (إسرائيل) إلى "حجمها الطبيعي" في هذه العلاقة.
خاتمة: رواية تتهاوى أمام الحقائق
تشكل رواية نتنياهو نسيجًا من الأكاذيب السياسية والأوهام الإيديولوجية، تهدفُ في جوهرها إلى حماية بقائه السياسي على حساب الدم الفلسطيني والمصلحة الأمنية طويلة المدى لكيان الاحتلال نفسه.
ومع ذلك، تتهاوى هذه المناورة يومًا بعد يوم:
أمام الصمود الأُسطوري للمقاومة الفلسطينية.
أمام التحول الجلي في المواقف الدولية لصالح الحق الفلسطيني.
أمام الحقيقة الثابتة التي لا تستطيع القنابلُ تزييفَها ولا الخطابات إخفاءَها.
فالعالم لم يعد يقبل بسهولة رواية تختزل قضيةَ شعب بأكملها في شعارات مضللة.
ومحاولات نتنياهو اليائسة لإطالة أمد العدوان لن تؤدي سوى إلى تعميق جراح شعبه من المغتصبين وتآكل ما تبقى من الشرعية الدولية "لدولته" المزعومة، في الوقت الذي يثبت فيه الحق الفلسطيني أنه باقٍ، والمقاومة أنهما مُستمرّةٌ حتى التحرير.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* موقع انصار الله

