إعادة هندسة العدوان على اليمن
كيان الأسدي*
منذ اندلاع ما يمكن توصيفه بـ(عدوان السنوات العجاف) لم يحصد المحور السعودي–الإماراتي–الأميركي من عدوانه على اليمن سوى مزيدٍ من الفشل والتخبّط. سبع سنواتٍ من الحرب لم تُنتج نصرًا، ولم تفرض معادلة، بل أغرقت هذا المحور في تيهٍ سياسي وعسكري داخل بلدٍ أثبت أنه عصيّ على الإخضاع، فيما تحوّل البحث عن إنجاز إلى محاولة يائسة لصياغة واقعٍ بديل يحفظ حدًّا أدنى من النفوذ، ولو عبر التنازل عمّا كان يُعدّ سابقًا نفوذًا مطلقًا داخل بنية الحكم.
ولم يكن هذا السعي محصورًا في استعادة نفوذٍ مفقود، بل اتخذ بعدًا أخطر، تمثّل بمحاولة كبح المسار الوطني الذي رسمته صنعاء، ذلك المسار المتجه بثبات نحو قضايا الأمة، ونصرة المظلومين، ووضع القضية الفلسطينية في صدارة الأولويات، لا كشعارٍ سياسي، بل كخيارٍ استراتيجي تُرجمه صنعاء ببناء قدرات عسكرية، وتطوير منظومات ردع، والتقدّم في مجالات التصنيع والتأهيل.
هذا الفشل المتراكم، الذي لم تعد نتائجه قابلة للإخفاء، بلغ ذروته بعد ما عُرف بحرب الإسناد، حيث انكشف بنك الأهداف بوصفه هشًّا، بل صفريّ النتائج قياسًا بحجم الدعم والتجييش. عند هذه النقطة، بدأ التحالف بإعادة ترتيب أوراقه، لا لإنهاء الحرب، بل لإعادة هندسة أدوارها، وهو ما فتح الباب أمام توسّع الدور الإماراتي على حساب النفوذ السعودي، خصوصًا في المحافظات الجنوبية.
ففي هذا السياق، برزت الإمارات بوصفها الطرف الأكثر اندفاعًا لتثبيت موطئ قدمٍ مستقل، متجاوزة الدور السعودي ذاته، عبر المال، والدعم العسكري، ورعاية تشكيلات ومرتزقة من مشارب مختلفة، من بينهم عناصر سلفية، ومن تيار الإخوان المسلمين، وغيرهم ممن عملوا على التهوين من معركة الإسناد، والتشكيك بفاعلية الصواريخ اليمنية، وتصويرها بوصفها مسرحيات هوليوودية بلا أثر.
غير أن هذا التحوّل لم يكن إماراتيًا خالصًا، بل جاء ضمن توجّه أوسع تقوده واشنطن وتباركه تل أبيب. فقد أبلغ قادة الكيان الصهيوني الإدارة الأميركية صراحةً بتفضيلهم العمل مع الإماراتيين في اليمن، وهو ما انعكس في تقليص النفوذ السعودي لصالح تمدّد إماراتي متسارع في الجنوب، بتوجيهات أميركية مباشرة، وعلى غرار ما جرى سابقًا في الساحل الغربي.
وبحسب التقييم الصهيوني، يُنظر إلى العسكريين الإماراتيين على أنهم أكثر كفاءة في العمل الميداني، وأكثر انضباطًا وسهولة في التنسيق من نظرائهم السعوديين، فضلًا عن غياب أي تحفّظات سياسية أو أخلاقية في التواصل معهم. ويُضاف إلى ذلك ما تعتبره تل أبيب عاملًا حاسمًا، يتمثّل في انفتاح القوى المحلية المتحالفة مع أبوظبي على التعامل المباشر مع الكيان الصهيوني، من دون حرج أو مواربة.
ولا يعني هذا التحوّل استبعاد الدور السعودي أو الاستغناء عن أدواته ومرتزقته، بقدر ما يعكس إعادة توزيع للأدوار داخل معركة واحدة، تُفسَح فيها المساحة للإمارات لتتولّى إدارة المرحلة المقبلة، وقيادة ما يجري الإعداد له بوصفه المعركة القادمة. وهي المعركة التي سبق لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو أن لمح إليها في سياق حديثه عن مواجهة ما وصفه بـ(خطر أنصار الله)، مكتفيًا بالإشارة إلى وجودها من دون الخوض في تفاصيلها.
وفي هذا الإطار، تتكشّف مواقف أطراف العدوان ومرتزقتهم على نحوٍ يفضح حقيقة الصراع وأهدافه النهائية. فقد أيّد طارق عفاش اجتياح حضرموت والمهرة بذريعة (ترتيب مسرح العمليات) تمهيدًا لإسقاط صنعاء، فيما دعا سلطان العرادة إلى تجاوز أي اعتراضات داخلية تحت شعار (توحيد الصف)، لا دفاعًا عن وحدة اليمن، بل اختزالًا للوحدة في هدف واحد: إسقاط العاصمة. أما رشاد العليمي، فوصف الخطوة بأنها أحادية، وطالب المجتمع الدولي بإنهائها، لا رفضًا لمبدأ العدوان، بل سعيًا لإعادة ضبطه بما يخدم الهدف ذاته.
وسار المجلس الانتقالي الجنوبي في الاتجاه نفسه، معتبرًا هذه التحركات خطوة ضرورية لقطع خطوط الإمداد عن أنصار الله، تمهيدًا لخنق صنعاء وعزلها. وفي المقابل، امتنع الحزبان الاشتراكي والناصري عن إدانة هذه التحركات بذريعة الحفاظ على وحدة الصف، وهي وحدة لا تُستدعى إلا عندما تكون البوصلة موجّهة نحو الحرب على صنعاء. وإلى جانب هؤلاء جميعًا، ظهر الكيان الصهيوني كطرفٍ معلن في هذا المشروع، متوعّدًا بإسقاط صنعاء ورفع علمه فيها، في مشهدٍ يختصر طبيعة التحالفات التي تلتقي، رغم تناقضاتها، عند استهداف اليمن.
وهنا يفرض السؤال نفسه: كيف لأطرافٍ تتصارع على النفوذ والغنائم، وتختلف على كل التفاصيل، أن تتوحّد عند هدف واحد هو إسقاط صنعاء؟
والجواب الذي تفرضه الوقائع أن حكومة صنعاء، بما تمثّله من قرار وطني مستقل، تشكّل صمام الأمان الحقيقي لليمن، وعنوان وحدته وسيادته. فإسقاطها لا يعني تغيير حكومة، بل فتح الباب أمام التقسيم، وتمزيق الجغرافيا، وتحويل اليمن إلى كانتونات خاضعة للوصاية الخارجية.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

