د. ناصر البداي*

لم يعد خافيًا على أحد أن ما يجري على الأراضي اليمنية يتجاوزُ حدودَ التدخُّل السياسي أَو العسكري التقليدي؛ ليتحول إلى مشروع نفوذ متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه المصالح الإقليمية مع الأجندة الصهيونية، تحت عناوينَ براقة مثل "مكافحة الإرهاب" و"حفظ الأمن" و"حماية الملاحة الدولية".

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم بإلحاح: إلى متى سيبقى اليمن ساحةً مفتوحةً لتنفيذ هذه الأجندات؟

لقد أثبتت الوقائع خلال السنوات الماضية أن الدور الإماراتي في اليمن لم يكن جزءًا من مشروع استقرار أَو إعادة بناء، بل اتجه بشكل متدرج نحو السيطرة على المواقع والجزر والموانئ الاستراتيجية، وعلى رأسها سقطرى وميون، بما يخدم حسابات جيوسياسية تتقاطع بوضوح مع الرؤية الصهيونية الساعية لإحكام السيطرة على الممرات البحرية الحيوية في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب.

ولا يمكن فصل هذا التمدد عن مسار التطبيع العلني مع كَيان الاحتلال الصهيوني، الذي فتح الباب أمام تعاون أمني واستخباراتي واسع، لم يقتصر على حدود الإمارات، بل امتد إلى الساحات العربية الهشة، وفي مقدمتها اليمن.

فإقامة القواعد العسكرية، ونشر منظومات المراقبة، والتحكم بالمنافذ البحرية، كلها مؤشراتعلى مشروع إقليمي يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يضمن التفوق الصهيوني طويل الأمد، ولو كان ذلك على حساب سيادة الدول واستقرار شعوبها.

وأخيرًا، جاء التحَرّك الإماراتي في حضرموت ليكشف بوضوح البُعد الاقتصادي لهذا المشروع؛ حَيثُ لم يعد الأمر متعلقًا بالتموضع العسكري فحسب، بل بالتمهيد للاستحواذ على الثروات النفطية والغازية، خُصُوصًا في محافظة شبوة، التي تمثل أحد أهم مصادر الطاقة في اليمن.

والأكثر إيلامًا في المشهد أن هذه الأجندة لا تنفَّذُ فقط بقوىً خارجية، بل بأيدٍ يمنية للأسف، جرى توظيفُها سياسيًّا وأمنيًّا لتسهيل السيطرة على الموارد، ومنح الغطاء المحلي لنهب الثروة الوطنية تحت مسميات مضللة.

إن استخدامَ أدوات محلية يمنية في تمرير هذه المشاريع لا يقل خطورةً عن التدخل الخارجي ذاته؛ لأَنَّه يضرب مفهوم السيادة من الداخل، ويحوِّلُ أبناء الوطن إلى وسطاءَ في مصادرة مستقبل بلدهم.

فبدلًا من أن تكونَ الثروة النفطية والغازية رافعة للتنمية، ومخرجًا من الانهيار الاقتصادي، تحوَّلت إلى وقود لصراعات داخلية، ومصدر تمويل لمشاريع إقليمية لا تمت بصلة لمصلحة اليمن ولا لكرامة شعبه.

إن الصمت العربي، والتراخي الدولي، والتعاملَ مع اليمن كمِلف ثانوي، شجَّع على المضي قدمًا في هذه السياسات دون مساءلة حقيقية.

لكن التجربة التاريخية تؤكّـد أن الشعوب لا تنسى، وأن المشاريع المفروضة بالقوة، مهما طال زمنها، مصيرها السقوط أمام وعي الشعوب وصلابتها.

اليوم، لم يعد الانتظار خيارًا، ولم يعد الصمت حيادًا، بل بات شكلًا من أشكال التواطؤ غير المباشر مع مشروع يستهدفُ الأرض والإنسان والثروة.

المطلوبُ موقفٌ وطني واعٍ، يفضحُ الأجندات، ويُعِيدُ الاعتبارَ للسيادة، ويحمي مقدراتِ اليمن من العبث، بعيدًا عن الوصاية والتوظيف الخارجي.

فاليمن لم يكن يومًا أرضًا بلا شعب، ولا وطنًا بلا ذاكرة، ومن يراهن على كسر إرادَة اليمنيين أَو طمس وعيهم، إنما يكرّر أخطاءَ التاريخ ذاتها.. والتاريخ لا يرحم.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت