الهويةُ الإيمانيةُ من فجرِ الإسلام إلى ثورة التحررِ
عدنان عبدالله الجنيد*
باتت الهوية الإيمانية اليوم ميدانًا للصراع وأداةَ للتحرر، ومن هنا تبرز الهوية الإيمانية لا بوصفها حالة وجدانية أو انتماءً تراثيًا جامدًا، بل باعتبارها بنية وعي، ومشروع تحرر وسيادة وطنية، فالهوية الإيمانية ليست توصيفًا عاطفيًا، بل منظومة وعي وإيمان بالله وارتباط بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهجًا وموقفًا، لا بالشعارات وفي المناسبات.
يلخص قائدُ الثورة -يحفظه الله- الهوية الإيمانية بالقول: "أنها منظومةٌ من المبادئ والقيم والأخلاق، تجذّرت في الشعب اليمني، الذي يأبى أن يُستعبد، أو يُذل، أو تُصادر حريته واستقلاله وكرامته، وهي جسر العبور إلى مستقبل أفضل، والسلاح الأمضى في عالمٍ تغيّرت فيه أدوات الاستعمار".
وأضاف: "حمدتُ الله؛ لأني أنتمي إلى هذا الشعب العزيز، الذي هو في إيمانه، في مواقفه، في ثباته، في وفائه، يرفع الرأس، ويُبيِّض الوجه، ويقف المواقفَ المشرِّفة".
لقد تحوّل دور أحفادُ الأنصار، من نصرةِ الرسالة المحمدية إلى قيادةِ معركةِ التحرر، ولم يكن اليمنيين يومًا ما في هامش الرسالة، ولا في ذيل التاريخ، فمنذ اللحظة الأولى لدعوة الإسلام تحوّلوا إلى جبهة نصرة، وإذا كان الأوس والخزرج احتضنوا الرسالة في مدينة النبي، فإن أحفادهم اليوم يحملون اليوم قضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين ومظلومية غزة.
إن الربط بين نصرة الأنصار للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومواقف اليمن المعاصر، ليس ربطًا رمزيًا، بل امتدادٌ لعقدٍ إيمانيٍّ تاريخيٍّ متجدد، فلم يكن اليمن يومًا متفرجًا على الصراع، بل حاضرًا في قلب المعادلة والنصرة، وهذا الدور يُعاد اليوم بوعيٍ أعلى، وتكلفةٍ أكبر، ومسؤوليةٍ أشد.
فلم يكن اختيار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لحمل رسالة الإسلام إلى اليمن اختيارًا عابرًا، بل لأنه كان رمزا للعدل، والولاية، والشجاعة، والقيادة الرسالية.
وقد دخل أبناء اليمن الإسلام يوم جمعة رجب من العام التاسع للهجرة، ليس بالسيف، بل بالبصيرة، وعلى يد رجلٍ يُجسّد جوهر الرسالة، ومن صنعاء، حيث بُني الجامع الكبير، انطلقت أول حلقة وعي قرآني، ثم تحوّلت لاحقًا إلى مخزون حضاري مقاوم.
وهنا يتجلى الربط التاريخي العميق بين شخصية الإمام علي كرم الله وجهه، وبين القيادة اليمنية الإيمانية المعاصرة، واحتضان اليمنيين مشروع العدل والكرامة، لا مشاريع التبعية والارتهان.
إن توصيف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل اليمن بقوله: "الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وإني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن"، لم يكن مدحًا ، بل تشخيصًا لدورهم التاريخي، فالإيمان حين يتحوّل إلى وعي، يصبح مقاومة، وحين يُحاصر، يتكثّف ولا ينكسر، وحين يُستهدف، يتحوّل إلى صمود أسطوري، وهذا ما عجز أعداء اليمن عن فهمه؛ إذ ما واجهوا هوية لا تُخترق، ولا تُشترى، ولا تُكسر.
وأن جمعةُ رجب ليست ذكرى طقوسية، بل لحظةُ فارقة لصقل الشخصية اليمنية الحرة التي حولتها من زمن الخضوع للأصنام إلى وجدانية الخضوع لله، ومن العبودية الاجتماعية إلى الحرية الإيمانية.
فاليمني الذي سجد لله طوعًا، لا يركع لطاغية. ومن هذه الروح خرج حملةُ الرايات وأبطالُ الفتوحات، أمثال عمار بن ياسر، ومالك الأشتر، وغيرهم من رموز الحضور اليمني في معارك الإسلام الكبرى، ومن هنا، تُستعاد جمعة رجب بوصفها عيدًا للهوية الإيمانية والسيادة الوطنية، لا ذكرى منزوعة المعنى.
لقد أعاد المشروع القرآني للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي سلام الله عليه، الهوية الإيمانية إلى الميدان كمشروع تحرري نهضوي أعاد تعريف العدو والصديق، ويؤسس لوعي جمعي مقاوم، لمواجهة قوى الاستكبار العالمية.
واليوم، في عهد قائدِ الثورة، ناصرِ الطوفان، قائدِ الأنصار، وقاهرِ الاستكبار، بلغت الهويةُ الإيمانيةُ ذروتها التاريخية، لا بوصفها شعارًا مرفوعًا، بل بوصلةَ فعل، يقودها علم هدي إلهي، قضيته نصرةُ المستضعفين والمحرومين في العالم، ورسالتُه الواضحة: لستم وحدكم.
إن صمود الهويةٌ اليمنية الإيمانية قد تحوّلت إلى موقفٍ أمميٍّ صريح في مواجهة قوى الاستكبار العالمي، بمشروعٍ عمليٍّ كسر معادلات الهيمنة، وأعاد تعريف القوة وفق معايير الإيمان لا الخضوع للطغاة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

