طوفان الجنيد *

ان ذكرى جمعة رجب لم تعد ذكرى عابرة في سياق المسيرة الايمانية لليمنيين بل نقطة انطلاق وميلاد تاريخ وعنوان حضارة بالنسبة لليمنيين، فمنذ فجر التاريخ الاسلامي واليمن واليمنيين يتصدرون التاريخ الاسلامي ومناصرة الدين والدفاع عن القيم الانسانية وتترجم بمواقفها اصالة الاسلام الحنيف والدين الالهي القويم.

يعتبر اليمانيون ان ذكرى جمعة رجب بمثابة عيد اعيادهم وميلاد هويتهم ومفخرة اجيالهم عبر العصور والازمان.
وأن جمعة رجب هو اليوم الذي بعث الرسول صلوات الله عليه واله مولانا أمير المؤمنين على بن ابى طالب -عليه السلام- برسالته إلى اليمنيين يدعوهم للإسلام في السنة الثانية للهجرة، فلما وصل الامام علي بن ابي طالب – عليه السلام- إلى اليمن استقبله اليمنيون بالحفاوة والتكريم والاستجابة وبالذات قبيلة همدان، فلما تلا عليهم فحوى الرسالة استجابوا وامنوا وبايعوه والتزموا بعهودهم وبرهنوا بموقفهم هذا على الطبيعة الفيسولوجية والفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، فاستبشر بهم مولانا أمير المؤمنين وابلغ هذه البشارة إلى رسول الله صلوات الله عليه واله فامتدحهم الله ورسوله والامام علي واثنى على مواقفهم بقول الله في محكم كتابه "إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ  وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا  فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢاإِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ  وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا  فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا".
وقول رسوله الكريم "أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفئدة الايمان يمأني والحكمة يمانية" ومدح الامام علي سلام الله عليه اليمنيين بقصيدته المشهور "ولو كنت بواباً على باب جنة لقولت لهمدان ادخلوا بسلام"، هذا الارث الحضاري والتاريخي لا يستطيع أن يتجاهله التاريخ أو يضمحل ذكراه من وجدان أهل الايمان والحكمة سوى في فجر الإسلام أو التاريخ المعاصر.

أن لأهل الإيمان والحكمة أدوار بارزة في معنى التولي لله ورسوله والمؤمنين، وقد جسدوا ذلك في محطات ومواقف كثيرة ومنها صحبة الامام علي بن أبي طالب -عليه السلام- ومشاركتهم الفاعلة في معارك الإمام علي -سلام الله عليه- في صفين والجمل.
جمعة رجب في الوعي اليمني ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي رمز دائم الالتصاق بالأصول الأولى للإسلام، حيث حافظ رغم كل التحديات على صورة حقيقية لروح الإسلام الأول والتفاعل الحي مع المبادئ، والقيم والاخلاق الحميدة ومقاومة الاستهداف الفكري لأعداء الاسلام والمسلمين ليقف اليمن كحارس للهوية، يرفض كل أشكال التشويه والانجراف الخارجي والداخلي.

اليوم، وقد تعرضت الهوية اليمنية لأشرس الهجمات في تاريخها، تبقى جمعة رجب تذكيرًا بأن هوية اليمن الإيمانية ليست ورديةً في كتب التاريخ، بل هي إرادة حياة، وخيار وجود، ومشروع مستقبل.
فاليمن الذي احتضن الهجرة الأولى، ونصر الولاية، وحفظ العلم، وقاوم الاستعمار، قادر بعون الله- على تجديد عهد الإيمان، وإعادة بناء ذاته كمنارة تهتدي بها الأمة في بحار التيه المعاصر

* المقال يعبر عن رأي الكاتب