سند الصيادي*

في لحظة فارقة من تاريخ الصراع مع المشروع الصهيوني التوسعي، جاء البيان الواضح والحاسم لسيد المقاومة القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- ليرسم خطًا أحمر جديدًا في جغرافيا المواجهة مع كَيان الاحتلال، وفيه يجب أن تُقرأ الكلمات بكونها إرادَة فعل، والتحذيرات بصفتها قواعد اشتباك.

تجاوز بيان القائد ليلة الثامن والعشرين من ديسمبر ردة الفعل الآنية على خطوة استفزازية قام بها كَيان الاحتلال، إلى اعتباره تشخيصًا دقيقًا للمرحلة، وخطة عمل استراتيجية لمواجهة أخطر محاولات العدوّ لإعادة رسم خريطة المنطقة تحت مسمى "تغيير الشرق الأوسط"، وموقف وضع الأُمَّــة بأكملها أمام مسؤوليتها التاريخية.

لم يكتفِ بيان السيد القائد، كعادته، بتوصيف الاعتراف الصهيوني المغروس بإقليم "أرض الصومال" على أنه مُجَـرّد مخالفة للقانون الدولي -كما يفعل القادة العرب والمسلمون في قممهم وبياناتهم التي لا تسمن ولا تغني- بل رفع التوصيف إلى مستوى أعلى: عدوان مباشر على الشعب الصومالي الشقيق، على اليمن وأمنه القومي، وعلى البحر الأحمر كشريان حيوي للأُمَّـة الإسلامية.

هذا التوصيف هو الأَسَاس القانوني والعسكري والسياسي الذي سيُبنى عليه الموقف اليمني الحازم لاحقًا.

وعلى هذه التراتبية المعهودة من سيد القول والفعل، أرسل بيان القائد رسائل استباقية لا لبس فيها للعدو الصهيوني: أي وجود عسكري في ذلك الإقليم سيكون "هدفًا مشروعًا" تحت مرمى نيران القوات المسلحة اليمنية الباسلة، وقد خبر العدوّ الجرأة والقدرة اليمنية في معترك الإسناد اليمني المشرف للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

يتسلح هذا القائد بربه وبصدق وعوده، وبذلك الشعب المتسلح بقرآنه ودينه وقيادته وهُويته، والذي نجح إلى حَــدٍّ كبير في إسقاط آخر أوراق التوت على حقيقة المؤامرة، وكشف الوجه التوسعي الحقيقي لكَيان الاحتلال الصهيوني الذي يسعى لإقامة دولته الكبرى، ويبحث اليوم عن موطئ قدم في القرن الإفريقي لاستهداف اليمن الصامد والانتقام منه على موقفه المشرف تجاه غزة.

وفي موقف سيد اليمن وقائدها تفاصيل مدروسة تمثل استراتيجية ذات مراحل، تبدأ من دعم الصومال بما أمكن لمنع تحقيق الهدف الصهيوني من الأَسَاس، ولا تنتهي عند الرد العسكري المباشر والحاسم إذَا اخترق العدوّ الخطَّ الأحمر.

ولشعب الصومال الأبي وضع القائد الموقف اليمني على طاولتهم ذُخرًا ومَدَدًا؛ فاليمنُ يقفُ معكم قلبًا وقالبًا، ووَحدة أراضيكم هي خط دفاعنا الأول، ونحن معكم في مواجهة أي محاولة لتمزيق نسيج وطنكم، ولن نسمح بأن تتحول أرضكم إلى قاعدة عدوان ضدكم أَو ضد جيرانكم.

حمل بيانُ قائد الثورة رسائلَ ضمنيةً عن الموقف اليمني الحازم ورسائل الردع للتحالفات العربية المتماهية بوضوح مع مشروع الاحتلال الصهيوني في تفتيت اليمن والسيطرة على جزره وموانئه.

كما وضع الدول العربية، وخَاصَّة تلك المطلة على البحر الأحمر، أمام الخطورة الاستراتيجية البالغة لأي تواجد صهيوني في تلك البقعة، وأمام مسؤولية تاريخية إما أن تلتقطها فتتحد، أَو تتخاذل فتُفرض عليها الوقائع الجديدة.

وفي خلاصة الموضوع، يستمر القائد في تقديم النموذج للموقف العملي المسؤول في لحظة يعجز فيها النظام الرسمي العربي والإسلامي عن أي فعل ذي معنى.

ويضع نفسَه وشعبه في الصف الأمامي للدفاع عن الأمن القومي العربي والإسلامي، ليس بالكلام، بل بتحديد قواعد الاشتباك الجديدة.

وهذا الموقف يمكن أن يشكل نقطة تلاقٍ وتحول إذَا التقطته القوى الحية في الأُمَّــة.

والسؤال المطروح الآن: هل ستلتقط الأُمَّــة هذه الشعلة، وتتحوّل إلى جبهة واحدة لمواجهة المشروع التفتيتي، أم ستستمر في حالة التفرق والانتظار التي أوصلتها إلى هذا الحال؟ الاختبار قائم، والوقت ليس في صالح المنتظِرين.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت