السياسية || محمد محسن الجوهري*

قريباً، سنشاهد المجرم نتنياهو وهو يخاطب الخائن عيدروس الزبيدي عبر اتصال هاتفي معلن، في مشهد مدروس بعناية، ليمنحه اعترافاً سياسياً بانفصال جنوب اليمن، تماماً كما جرى مؤخراً مع زعيم شمال الصومال، حين استُخدم الاعتراف الصهيوني كأداة لإضفاء شرعية وهمية على كيان هش لا يملك من مقومات الدولة سوى الارتهان للخارج. وعندها سيخرج عيدروس، بملامحه البلهاء ذاتها، ليقف أمام الكاميرات مزهواً، معلناً فخره واعتزازه بما يسميه “الخطوة التاريخية”، متجاهلاً أنها ليست سوى إعلان رسمي عن انتقاله من خانة العمالة المستترة إلى العمالة المعلنة.

وفي المقابل، سيحرص نتنياهو على أداء دوره المعتاد، فيغدق على المشهد سيلاً من الوعود الاقتصادية الكاذبة، متحدثاً عن استثمارات كبرى، ومشاريع تنموية، وأمن دائم، ورفاهية مطلقة ستغمر أبناء الجنوب بمجرد فتح أبواب التطبيع مع الكيان الصهيوني. وهي الوعود ذاتها التي رددها في كل مكان وطأته قدم المشروع الصهيوني، ولم تكن في أي تجربة سوى مدخلاً لمزيد من التفكك، ونهب الموارد، وتحويل الشعوب إلى أدوات رخيصة في خدمة أجندته.

والحقيقة أن عيدروس الزبيدي لا يعدو كونه واجهة وظيفية رخيصة لمشروع صهيوني متكامل الأركان، ويستند إلى دعم مباشر ومكشوف من الرياض وأبوظبي، اللتين تتوليان مهمة الرعاية والتمويل وتوفير الغطاء السياسي. فما يُسمّى بالمجلس الرئاسي المزعوم ليس سوى تركيبة شكلية أُنشئت لإضفاء شرعية زائفة على واقع الاحتلال والارتهان، إذ يتكون من ثمانية أعضاء لا يجمعهم مشروع وطني ولا رابط سيادي، وإنما التنافس على من يكون أكثر خضوعاً وأكثر قابلية لتنفيذ الإملاءات الخارجية.

ورغم أن معظمهم لا يقل خيانة ولا تصهيناً عن عيدروس، بل قد يفوقه بعضهم ارتهاناً واستعداداً للتنازل، إلا أنهم يفتقرون إلى الجرأة على التقدم للواجهة عندما يتعلق الأمر بفاحشة كبرى بحجم التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني. لذلك يختبئون خلفه، ويدفعون به إلى الصفوف الأولى ليكون الواجهة المحترقة، بينما يفضلون هم البقاء في المنطقة الرمادية، يمارسون العمالة المقنّعة لصالح الوكلاء الإقليميين في خدمة المشروع الصهيوني.

وأما الوعود الصهيونية المعلّبة بالاستقرار والرفاهية الاقتصادية لجنوب اليمن، فليست سوى فرية قديمة تتكرر بأدوات جديدة، ويعلم اليهودي قبل غيره أنها مجرد طُعم يُلقى في بيئة أنهكها الفقر والحرب وغياب الدولة. ومع ذلك، فهو يدرك أيضاً أن لهذه الأوهام سوقاً رائجة في بلاد أنهكها الحرمان، فقد سُلِّمت عدن قبل عشر سنوات للإمارات على طبق من الوهم، مقابل وعود جوفاء بتحويلها إلى "مدينة عالمية" على غرار دبي. غير أن التجربة أثبتت، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن هذا الوعد لم يكن سوى غطاء لنهب الموانئ وتعطيلها، وتجفيف الموارد، وتحويل المدينة إلى ثكنة أمنية وساحة صراعات، أما حلم الاستقرار الاقتصادي فلم ولن يتحقق لا على يد الإمارات، ولا حتى لو دخل الكيان الصهيوني بثقله المباشر، لأن جوهر المشروع ليس التنمية بل السيطرة.

والأسوأ من ذلك أن هذه الأكذوبة ما تزال تجد من يصدقها بين أصحاب القلوب الضعيفة والعقول المرهقة من أبناء الجنوب، فحتى بعد عشر سنوات من الاقتتال المناطقي العبثي داخل عدن، وما رافقه من فوضى وانفلات أمني وانهيار للخدمات، لا يزال وهم "المدينة العظمى" يراود المغفلين من أبنائها، وكأن الخراب المتراكم لم يكن كافياً لفضح الخديعة. وبدلاً من أن تقود هذه السنوات القاسية إلى وعي جمعي، انتهت إلى نتيجة كارثية مفادها أن الإمارات حولت آلاف الجنوبيين إلى أرخص مرتزقة في العالم، زُجّ بهم في معارك ومشاريع لا تمت بصلة حتى للمشروع الانفصالي الذي يُتخذ ذريعة للتجنيد. فهلك الآلاف المؤلفة منهم في صراعات خارج أرضهم، وخدمة لأجندات معادية لهم في المقام الأول.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب