السياسية : أحمد الديلمي

إنطلاقاً من قناعة ذاتية أرفض استدعاء الماضي إذا توفرت لدي نسبة ولو ضئيلة من التفاؤل كفيلة بمحو  مفرداته السلبية والإسهام الفعلي في إيجاد الأرضية المناسبة لإدمال الجروح التي أحدثها ذلك الماضي ورحل بكل آثامه .

إلا أنه كما يقول المثل ( مٌكره أخاك لا بطل ) تعدد قنوات الأفك وانحراف البعض عن التزام الصدق والموضوعية في التعاطي مع الماضي فرض شروطاً جديدة حّول المهمة إلى تجارة وبزنس يتهافت عليه أصحاب الإرادات المهزوزة ، من لا هم لهم سوى الحصول على فرص ومكاسب مادية مهما كانت الأضرار التي ستحيق بالوطن وتكون سبب في تشويه صور النضال الذي خاضه أبنائه على مر الأزمنة والدهور .

مع تزايد عدد قنوات الدفع المسبق برزت ظاهرة خطيرة أبطالها أصحاب الضمائر المثقوبة المستعدين للمتاجرة بالأحداث وتزييف مفرداتها، كما حدث مع أحد الساسة الذي كنت أحترمه وهذا هو الحافز الذي جعلني أتسمر أمام الشاشة التي أطل منها .

لم يتوقف الأمر على تزييف الوقائع والأحداث التي لا تزال ماثلة في أذهان الناس ، لكنه أسهب في الحديث عن دور السعودية المشرف واعتبرها الرئة التي تنفس منها الوطن وأنها مصدر الخير والرخاء والأزدهار لليمن واليمنيين منذ مائة عام “حسب قوله” .

فقد وقع الرجل في تناقض كبير مع نفسه متنكراً للمواقف التي أفصح عنها عام 2013م حيث قال أن حزب الإصلاح تآمر على الشباب وسرق الثورة منهم وتصدر الموقف لكي يلوي عنق إرادة الشباب والقوى الوطنية الأخرى ، ودفعهم إلى القبول بالشروط التي تُمليها الأطراف الخارجية وذكر السعودية و قطر و أمريكا و بريطانيا .

لكي يتضح الانحدار السلبي المخيف للرجل وأمثاله ، أجد من المُفيد أن اقتبس من كلامه بالأمس القريب لمقارنة ذلك مع ما أفصح عنه في اللقاء الأخير حيث قال بالأمس ( لقد كان من أبشع جرائم النظام المخلوع أنه بث الفتن والدسائس وعمل بشكل دؤوب على اختراق القوى الوطنية والتنكيل بها مستغلاً وجود النظام الأمني المغلق ، إضافة إلى ما لديه من براعة في زرع بذور الشقاق وإشعال نيران الفرقة والانقسام بين أبناء الوطن الواحد ، ليُمارس كل أشكال القمع والتنكيل والترويع والقتل وتخريب الضمائر لاستباحة الحقوق وإهدار الثروات عبر إعطاء شرعية مطلقة للفساد  .

لقد سعى النظام السابق على مدى ثلاثة عقود إلى تجسيد سلطة الحاكم الفرد المطلق وصولاً إلى إرهاب الشعب ودفع الجميع إلى التسليم بفكرة التوريث ونقل الحكم إلى أكبر أبنائه ، وهنا تتضح جريمة الفكر التآمري لحزب الإصلاح ، فلقد ساعد النظام وتقاسم  معه الغنائم والثروات بشكل علني أو من خلف الستار وأستغل المكانة التي أحتلها لإخماد جذوة الحركة الوطنية واستخدام الدين كواجهة للمتاجرة بمصالح المواطنين ، هذا الأمر أختلف كلياً بعد أن توحدت فئات الشباب وخرج الجميع في كل المحافظات للمطالبة بإسقاط النظام والدعوة إلى إشاعة الحرية و العدالة الاجتماعية وحماية الكرامة الإنسانية .

في تلك اللحظة بّدل ذلك التيار جلده ودفع بأتباعه إلى الميادين ليتبنى مطالب الثوار في التطهير والتغيير وتحقيق العدالة لجيمع أبناء الشعب بأفق انتهازي سعى من خلاله نفس التيار إلى تجميل صورته أمام الأطراف الخارجية إلى أن تشابكت مصالحه مع ما تسعى إليه تلك الأطراف ومن ثم تزعم الثورة واستفاد من المبادرة الخليجية في تقاسم سلطة الحكم ومارس أبشع أنواع الإقصاء والتهميش والقهر والتنكيل للقوى السياسية الأخرى المتمسكة بالثورة ) .

للآسف هذه المواقف تغيرت تماماً حيث قال ما يلي :

  • السعودية والمبادرة الخليجية أنقذت اليمن من كارثة كُبرى .
  • القوى السياسية تدفع ثمن قبولها للحوثي واعتباره شريكاً في الثورة .
  • الحوثي ينفذ إرادة إيران ولا يمتلك توجه سياسي أو أفق وطني .
  • الإصلاح قدم الكثير من التضحيات لإسقاط الرغبات الإيرانية الخبيثة.
  • تحالف المشائخ الداعم للحوثي لا يُعبر عن إرادة القبيلة اليمنية .
  • ضربات دول التحالف دقيقة تدك أوكار الحوثي ومراكز التدريب الإيرانية وتتجنب استهداف المدنيين اليمنيين لأنها تتم تحت إشراف وخبرات أمريكيين وبريطانيين .
  • كانت حكومة الأستاذ باسندوة قد شرعت في ترجمة قاعدة جبر الضرر بما ترتب عليها من مبادرات إنسانية تمثلت في دفع تعويضات مجزية لكل من تضرروا من الأحداث وكانت السعودية والإمارات قد وعدت بتمويل ما تبقى من تعويضات إلا أن انقلاب الحوثي أجهض كل شيء .

الفقرات السابقة أوردتها كما جاءت على لسان الرجل وقد مثلت ظاهرة جحود سطحت بها حنجرته قل نظيرها في التاريخ ، وهذا هو السلوك المخزي الذي أنحدر إليه الكثير ممن استساغوا التآمر والخيانة وأصبحوا مجرد أبواق تنبح بأسم المعتدي وتبرر له لكل أعماله وجرائمه البشعة ليؤكد أمثال هؤلاء أنهم كائنات حية للظلال وعشاق للفناء يتغنون بجرائم الإبادة ويمجدونها على أنها بطولات ومنجزات .

اللهم نجنا من هذا السلوك المُشين ، وأترك للقارئ الكريم التعليق على ما ورد على لسان هذا الرجل وسيعرف حجم التخاذل والاستلاب والهوة السحيقة التي سقطت إليها إرادة بعض اليمنيين من أجل عفن المال المدنس ، وهذا هو ما دفعني إلى مقاربة الماضي بأسلوب مختلف ، وأعتذر للقراء من بعض العبارات التي وردت كرد فعل لما روجه ذلك الرجل الذي سقط من عيني تماماً .. والله من وراء القصد ….