فلترحل السفارة الأمريكية غير مأسوف عليها من بغداد
انها بؤرة تآمر وعش للجواسيس تذكرنا باستشهاد مليوني عراقي.. نعم نحترم امن السفارات ولكن شريطة الالتزام ببنود معاهدة فيينا.. فهل التزمت بها هذه السفارة؟
عبد الباري عطوان*
ان يتصل مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي هاتفيا بكل من الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس وزرائه مصطفى الكاظمي، ويهدد بإغلاق السفارة الامريكية في بغداد اذا لم تتوقف الصواريخ التي تستهدفها فهذه قمة الوقاحة والابتزاز، وخروج سافر عن القيم والأعراف الدبلوماسية.
لا نعرف كيف يقبل الرئيس العراقي صالح والكاظمي باستقبالهما والحديث للوزير بومبيو الذي تجرأ وتصرف كمندوب سامي امريكي، وتعاطى معهما كما لو انهما موظفان، او اتباع لحكومته، فقد جرت الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية ان يخاطب الوزير وزيرا مثله، لكن ان يهدد رئيس جمهورية دولة تملك ثمانية آلاف عام من الحضارة، فهذه اهانة، وكسرا لكل الأعراف المتبعة.
لسنا مع قصف السفارات الأجنبية بالصواريخ سواء كانت في العراق او في أي بلد آخر، شريطة ان تلتزم بالأعراف الدبلوماسية ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للبلد الذي يستضيفها، ولكن السفارة الامريكية تحولت الى عش للجواسيس، وبؤرة للتآمر على هذا البلد العربي المسلم الذي ما زال يعيش حالة من الفوضى والفساد المالي وانعدام الاستقرار بسبب الغزو ومن ثم الاحتلال الأمريكي، وكان الاحرى بالحكومة العراقية ان تبادر بإغلاقها، لان وجودها على ارض العراق، بعد الحصار والاحتلال والغزو، يعتبر إهانة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
***
الإدارة الامريكية اغتصبت الأرض التي أقيمت عليها هذه السفارة في المنطقة الخضراء في بغداد، وتعتبر السفارة الأكبر في العالم، وتزيد مساحتها عن 170 كيلومترا مربعا، ويعمل فيها آلاف الجواسيس، وارادتها ان تكون مقرا لحكم العراق وليس سفارة، تقوم بعمل دبلوماسي صرف مثل كل السفارات الأجنبية الأخرى، في اطار القانون.
لا نعرف مدى جدية هذه التهديدات بإغلاق السفارة، ونقل السفير وطاقمه الى القنصلية الامريكية في أربيل، ولا نستبعد ان تكون مجرد محاولة ابتزاز جديدة للحكومة العراقية، ومشروع فتنة طائفية جديدة، بين السنة والشيعة العراقيين العرب، وبين هؤلاء والاكراد في كردستان العراق، فالفتن طبع الإدارات الامريكية ضد العرب والمسلمين.
أمريكا التي دمرت العراق وقتلت مليونين من أبنائه العزل على الاقل، سواء من خلال حصارها لهذا البلد واحتلاله وتدميره، ودعم الجماعات الإرهابية المتطرفة على ارضه، ولهذا نعتقد انها آخر دولة في العالم التي يجب ان تلقي محاضرات علينا حول احترام الأعراف والقوانين والمعاهدات الدولية.
أمريكا تدعم، وتموّل، اكثر من 2000 منظمة غير حكومية في العراق، ومعظم هذه المنظمات تعمل في خدمة مشاريعها لزعزعة استقرار العراق، وبذر بذور الفتنة الطائفية لتمزيق نسيجه الاجتماعي ووحدتيه الترابية والديمغرافية.
جميع الصواريخ التي جرى اطلاقها على المنطقة الخضراء لم تصب السفارة الامريكية بأي ضرر، ولم تجرح موظفا أمريكيا واحدا، بينما أقدمت طائرة درون، انطلقت من احد القواعد العسكرية في العراق، وبأمر من الرئيس دونالد ترامب على اغتيال اللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ورفيقه أبو مهدي المهندس، احد قادة الحشد الشعبي العراقي قرب مطار بغداد، الا تشكل هذه الجريمة انتهاكا للأعراف والقوانين الدولية، وسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة؟ ومن يضمن لنا ان مؤامرة الاغتيال هذه لم تطبخ في السفارة الامريكية في بغداد؟
هذه السفارة التي تمثل دولة غزت العراق واحتلته وقتلت الملايين من أبنائه، لا يجب ان تتواجد على ارض العراق الطاهرة في الأساس، لأنها تجسد الاستكبار، والمحاصصة الطائفية، وكل المؤامرات على تدمير الدولة العراقية ومؤسساتها الوطنية.
***
لا اسف على السفارة الامريكية اذا ما قرر سفيرها وجواسيسه الهرب الى أربيل، واغلاق وكر تجسسهم في بغداد، وستلاحقهم اللعنات الى هناك، ولن يكونوا في مأمن، خاصة بعد ان اعلن بومبيو في تهديده للرئيس العراقي بانه سينتقم من الذين يقصفون سفارته.
أمريكا قبل ان تتحدث عن القوانين والمعاهدات الدولية يجب ان تعتذر رسميا وتدفع ترليونات الدولارات كتعويض لأهالي ضحاياها وايتامهم واراملهم في العراق، تكفيرا عن خطاياها، فاذا كانت قد أجبرت ليبيا القذافي على دفع ثلاثة مليارات دولار لضحايا طائرة لوكربي (300 راكب) فكم ستدفع لمليوني شهيد قتلتهم اثناء حصارها وغزوها واحتلالها للعراق، غير مئات الآلاف الذين استشهدوا من جراء اليورانيوم المنضدد الذي استخدمته في قنابلها؟
المقاومة العراقية أجبرت امريكا على سحب جميع قواتها ذليلة من العراق عام 2011، هي قطعا ستجبرها على سحب ما تبقى لها من قوات وقواعد وجواسيس، ولا يشرّف العراقيين هذا الوجود الأمريكي الاحتلالي الذي يدنس ارضهم.. والأيام بيننا.
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن رأي كاتبه