السياسية:



الانتصار التاريخي الذي حققه اليمين المتطرف بحصوله على حوالي 32⁒، أعلى نسبة حققها حتى الآن، وهي تتجاوز ضعف النسبة التي حققها حزب "النهضة" التابع للرئيس ماكرون مع 14.6⁒، دفع بالرئيس ايمانويل ماكرون إلى اتخاذ قرار أحدث زلزلا حقيقيا في الساحة الفرنسية، بحل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة

الخاسر الأكبر في الانتخابات البرلمانية الأوروبية هو، بلا شك، التحالف الذي يدعم رئيس البلاد، ليس لأنه لم يأت في المركز الأول ولكن لأنه لم يتمكن من الحصول على نصف ما حصل عليه حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف.


بينما تمكن الاشتراكيون وحزب "فرنسا الأبية" من تحقيق أهدافهم، وإن كانت متواضعة، حيث عاد الاشتراكيون إلى الساحة السياسية بعد أن اعتبر الجميع أنهم سيختفون سياسيا، وتمكن حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي من الاقتراب إلى نسبة 10⁒ مع 9.89⁒.

الانتخابات الأوروبية في الحياة السياسية الأوروبية
لا تكتسب الانتخابات الأوروبية، عادة، اهتماما كبيرا في الحياة السياسية الفرنسية، وكانت تعاني من نسبة تغيب كبيرة، نظرا لأن دور البرلمان الأوروبي في إدارة الاتحاد يظل محدودا، ولأن ما يحدث في بروكسل يظل أمرا غامضا بالنسبة لرجل الشارع الفرنسي، الذي يستخدم هذه الانتخابات عادة لتوجيه رسائل إلى رئيس الجمهورية والأغلبية الحاكمة.


انتخابات 2024 الأوروبية هي الانتخابات الأوروبية الثالثة التي يحتل فيها اليمين المتطرف المركز الأول، مما كان يعتبر دوما رسائل احتجاج وغضب من الناخبين، ولكن الفارق هذه المرة هو أنها تأتي في سياق موجة صعود لليمين المتطرف على المستوى الأوروبي، كما أن الأرقام التي حققها "التجمع الوطني" غير مسبوقة.

الخيارات المتاحة أمام رئيس الجمهورية
يعاني ماكرون، بالفعل، من هزيمة أولى مني بها حزبه في الانتخابات التشريعية عام 2022، إذ لم يتمكن من الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان، مما جعل من عملية إقرار ميزانية الدولة أو أي قوانين جديدة عملية شاقة، تدفع الأغلبية الحاكمة للجوء إلى بند دستوري يسمح لها بتمرير القرارات دون نقاشها في البرلمان، ولكنها تسمح للمعارضة بطلب التصويت على الثقة في الحكومة، وهي طريقة لا يمكن الاستمرار في استخدامها طوال الوقت.

نتيجة الانتخابات الأوروبية كانت ضربة جديدة، أدت إلى إضعاف موقع الرئيس كثيرا، وكان من المستحيل أن يستمر خلال السنوات الثلاث الباقية من ولايته في ظل هذا التوازن السياسي الذي يحتل فيه موقعا ضعيفا.

الخيار الجذري، كان اللجوء إلى نص دستوري يسمح للرئيس بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، على أمل إعادة توزيع الأوراق بين القوى السياسية الفرنسية.

وقد نشر ماكرون تغريدة على حسابه في X، غداة الانتخابات، قال فيها : "سيتم إجراء انتخابات تشريعية في 30 يونيو/حزيران و7 يوليو/تموز، وأنا واثق من قدرة الشعب الفرنسي على القيام بالخيار الصحيح له وللأجيال المقبلة. طموحي الوحيد هو ان أكون مفيدا لبلادنا التي أحبها كثيرا"

رهانات ماكرون الخطرة
يرى الكثير من المراقبين أن الرئيس الفرنسي يراهن على أن تصويت الفرنسيين لصالح اليمين المتطرف كان مجرد رسالة وليس تصويتا حقيقيا، وأنه بالدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، وهي انتخابات هامة بالنسبة للناخبين، وماكرون يأمل بالتالي، بأن يكون بذلك قد أعطى صدمة كهربائية للفرنسيين، عندما يرون أن اليمين المتطرف على أبواب السلطة بالفعل.

والاحتمال الأول، وإن كان الأضعف، هو أن يتغير توجه الرأي العام بالفعل، ويتراجع الكثيرون عن التصويت لحزب مارين لوبن، بحيث تعود الساحة السياسية إلى توازنها التقليدي، سواء بمنح تيار ماكرون الأغلبية التي يريدها، أو خلق الظروف لإقامة ائتلاف بعيدا عن اليمين المتطرف، يسمح بالاستمرار في حكم البلاد.

أما الاحتمال الثاني، فيتعلق بانتصار اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية، دون الحصول على الأغلبية المطلقة، مما يضع حزب "التجمع الوطني" في ذات المأزق الذي يعيشه حزب ماكرون.

وحتى في حال حصول اليمين المتطرف على الأغلبية البرلمانية المطلقة، فإن النظام الحاكم سيدخل في المرحلة المعروفة باسم "التعايش" بين رئيس جمهورية وحكومة لا تنتمي لتياره السياسي، وهي التجربة التي عاشها الرئيسان الأسبقان فرانسوا ميتران وجاك شيراك، وفي كلتا الحالتين انتهت تجربة "التعايش" لصالح التيار السياسيي الذي يدعم الرئيس.

ماكرون، الذي لا يستطيع ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يمكن أن يحقق بذلك أغلى أمانيه، وهي ألا يكون الرئيس الذي سلم قصر الرئاسة لمارين لوبن.

* المادة نقلت حرفيا من موقع فرانس برس