السياسية || محمد محسن الجوهري*

منذ عام 2004، وهذه العبارة المهترئة تجوب الإعلام المتصهين، بدءًا من نظام صالح العميل، مرورًا بالأدوات الأخرى العميلة في المنطقة، كحزب الإصلاح ونظامي آل سعود وآل نهيان، ظنًّا منهم أن هذا النوع من الكذب الرخيص يصلح للحرب النفسية ضد رجال ليسوا كسائر الرجال، ممن تجلى فيهم قول الله تعالى: ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾.

ومع مرور الأيام والسنين، تحولت هذه الكليشيه الإعلامية إلى مصدر رزق لكثير من المرتزقة ووسائل إعلامهم، كقنوات "سهيل" و"بلقيس" و"الجمهورية" وغيرها. وفي الواقع، فإن هذا الإعلام المضلل يقدم شهادة قوية على عظمة "الأنصار" ومشروعهم الذي لا يُهزم. ولولا هذا المشروع، لما كانت هذه القنوات، ولما أنفق العدو عليها طيلة هذه السنوات. وقد أدرك القائمون عليها هذه الحقيقة وتعايشوا معها، حتى باتوا ممن يقتات على هامش المشروع القرآني، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه باقٍ، وأن بقاءهم مرهون به.

ومن الطريف أن النظام السعودي سبق أن اعتقل إعلاميين يعملون في مثل هذه القنوات، ممن لهم على مواقع التواصل الاجتماعي مواقف مناقضة لما يروجونه في الوسائل الممولة من الرياض، كمروان المريسي وغيره. وهذا يؤكد أن الصف اليمني المناهض للمشروع القرآني ورجالِه ما كان ليُوجَد لولا المال السعودي، وغريزة عبادة المال لدى ضعاف النفوس.

ومن باب الاستطراد أيضًا، لو جرّبت البحث عن عبارة "الحوثيون في النفس الأخير"، لوجدتها من أكثر العناوين انتشارًا على مواقع الإعلام المضلل، وعلى مدى سنوات متفاوتة. وستجد أن قناة "العربية" – على سبيل المثال – قد أسهبت في استخدام هذه العبارة حتى اهترأت، خصوصًا على لسان المذيعة الراحلة "نجوى قاسم"، التي كثرت أخبارها المضللة، سيما في العام الأول من العدوان على اليمن، حيث ارتبط اسمها بالحرب النفسية الهوجاء، وكان من السهل تفنيد ترهاتها يومًا بيوم.

كما أن الإعلام الرسمي السعودي والإماراتي، كصحيفتي "الوطن" و"الاتحاد"، بدأ العدوان على اليمن باستخدام العنوان نفسه، وظنّ أن دخول الجيشين السعودي والإماراتي في حرب مباشرة معنا سيكون قاصمة، ولم يتطلب الأمر سوى أسابيع قليلة حتى أدركوا حجم المبالغة، وبدأوا في كيل الشتائم لمرتزقتهم في حزب الإصلاح، متهمين إياهم بالخيانة والتسبب في فشل عدوانهم على اليمن.

ولو تعمقنا أكثر في البحث، وعدنا إلى زمن الحروب الست الغاشمة على محافظة صعدة، لوجدنا أن إعلام "عفاش" التضليلي كان يردد العبارة ذاتها. وأذكر أن خبرًا نُشر في ديسمبر 2009 عن وزير الدفاع حينها، الخائن محمد ناصر أحمد، يؤكد فيه أن الحوثيين في الرمق الأخير، وأنها مسألة أيام لتنتهي المعركة، داعيًا إياهم إلى تسليم أنفسهم، قبيل زيارته للمحافظة.

وإن تعمقتَ أكثر، فستجد أن أخبار عام 2006 تنقل عن محافظ صعدة العبارة نفسها، وأن آخر ستة أشخاص من حراسة السيد عبد الملك قد سلموا أنفسهم خوفًا من الموت، وأن القوات النظامية اعتقلت كل من يرفع العلم الإيراني من أبناء صعدة، وألزمت الجميع برفع علم الجمهورية اليمنية، الذي زعم الإعلام آنذاك أن الحوثيين يخشونه.

ولا أظن أننا بحاجة إلى تفنيد هذا النوع من الشائعات المضللة، فقد فقدت صفتها كشائعات مع مرور الزمن، وباتت تُصنّف ضمن الأخبار الطريفة والمسلية، أو هكذا يراها الأنصار وخصومهم على حد سواء. ويعلم الجميع أن ترديدها تحوّل إلى هذيان مزمن، بعدما تأكد الصهاينة أن المشروع القرآني هو الكابوس الذي لا مفر منه، وأن مجرد الحديث عنه يجلب لهم لعنات الموت والهلاك التي يخشونها، ويعلمون أنها واقعة بهم لا محالة.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب