"السعودية تبتلع اليمن - 1988"
محمد محسن الجوهري*
هذا عنوان كتاب ألفه العماني يوسف الهاجري سنة 1988 ويتحدث عن تاريخ العدوان والمؤامرات السعودية على اليمن، ويؤكد أن عداء آل سعود للشعب اليمني ليس وليد اللحظة وكان ردة فعل لتحركات يمنية، وإنما هو توجه رسمي للدولة السعودية منذ تأسيسها، يقوم على إضعاف اليمن ومنع نهوضه السياسي والاقتصادي. ويعرض الكتاب مجموعة من الأدلة التاريخية التي تؤكد هذا التوجه.
الغريب في الأمر أن الكتاب سبق العدوان على اليمن بأكثر من ثلاثة عقود، وفيه أوضح الهاجري كيف أن المملكة تتدخل في كل التفاصيل للشعب اليمني بما فيها اختيار حكامه، ويرى بأن الشهيد إبراهيم الحمدي كان نموذجاً للزعيم اليمني الذي رفض الوصاية السعودية فتخلصت منه على يد عملائها وجاءت بهم إلى السلطة.
ويصف الكاتب مدى استغلال النظام السعودي المال بصورة مقززة في علاقاته باليمن، مستفيدا من ضعف الموارد المادية في اليمن في تلك الفترة من الزمن؛ فزيادة الدعم أو إنقاصه أو قطعه مرتبط بارتهان النظام في اليمن بالسياسة السعودية.. كما يشرح كيف أن النظام السعودي يكرر: (لا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى)!!، وهو الذي قدم الدعم العسكري المباشر لمعارضي اليمن الجنوبي وإشعال الحرب سنة 1986، وسعيه الدؤوب لإفشال الوحدة اليمنية، وكيف يمول سلسلة من شيوخ القبائل ورجال الدين حتى يبقي اليمن تحت وصايته وللزج بهم ضد خصوم آل سعود في البلاد.
ويؤكد الهاجري أن السعودية انتهجت على مدى عقود "سياسة الإضعاف الممنهج تجاه اليمن"، وهي إستراتيجية متكاملة هدفها منع ظهور دولة يمنية قوية قادرة على الاستقلال بقرارها السياسي. ويرى إن هذه السياسة تجلت في دعم الانقسامات الداخلية وتمويل قوى قبلية وسياسية متنازعة لضمان عدم استقرار السلطة المركزية، إضافة إلى التأثير المباشر في تشكيل الحكومات ومنع تشكّل جيش موحّد قادر على حماية مؤسسات الدولة. كما أن أي محاولة يمنية لبناء مؤسسات مستقلة أو إطلاق مشاريع تنموية واسعة كانت تُواجَه بضغط أو تدخل سعودي يهدف إلى إبقاء اليمن في حالة ضعف دائم، بحيث تظل بيئته السياسية هشّة ولا تستطيع الخروج من دائرة النفوذ الخارجي.
وبالنسبة للوحدة اليمنية، يرى يوسف الهاجري أن السعودية كانت تنظر إلى مشروع الوحدة اليمنية بوصفه تهديدًا وجوديًا لها، ولذلك — بحسب قوله — وقفت ضده بشكل مبدئي وثابت. ويؤكد أن الرياض كانت تخشى أن يؤدي توحيد الشطرين إلى قيام دولة يمنية كبيرة وموحّدة تمتلك القدرة على تقرير مصيرها بعيدًا عن النفوذ الخارجي، وهو ما اعتبرته خطرًا مباشرًا على مصالحها. ولهذا، يعتقد الهاجري أن السعودية عملت على دعم قوى الانقسام وتعطيل الاتفاقات التي كانت تمهّد للوحدة، حتى تبقى اليمن ممزقًا وضعيفًا وغير قادر على النهوض. وفي تفسيره للأحداث السابقة لعام 1990، يرى أن هذه السياسة لم تكن طارئة، بل نهجًا مدروسًا يهدف إلى منع ظهور يمن موحّد قد يغيّر معادلات المنطقة.
وختم كتابه بتأكيد موقف لا لبس فيه، أن السعودية — بحسب فهمه للتاريخ — لم تكن يومًا صديقًا لليمن، بل قوة معادية عملت بشكل متواصل على إضعافه والسيطرة على قراره. ويقول إن كل ما واجهه اليمن من فقر وانقسام واضطراب لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة مباشرة لسياسات سعودية هدفت إلى منع قيام دولة يمنية مستقلة قوية على حدودها. ويشدّد الهاجري على أن مستقبل اليمن سيظل معلّقًا ومهدّدًا طالما بقي تحت هذا النفوذ، وأن أي نهضة حقيقية لن تُكتب له إلا إذا تخلّص من الهيمنة التي يعتبرها أصل معظم أزماته السياسية والاقتصادية.
وللأسف الشديد، فإن هذا الكتاب صدر قبل نحو أربعة عقود وقبل ظهور المشروع القرآني، كما يتحدث عن تدخلات تنفذها السعودية في اليمن قبل الثورة الإسلامية في إيران، أي قبل الذرائع التي يتحجج بها الخونة لتبرير عمالتهم للرياض ولشرعنة إجرامهم القديم في اليمن، وكان الأحرى بالشعب اليمني أن يتوحد خلف أي طرف يعادي آل سعود لإجماع اليمنيين بأنه عدو لهم جميعاً، ويكفي أي طرف يمني من الذلة والخيانة أن يكون عميلاً لآل سعود ضد شعبه ووطنه.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

