محمد محسن الجوهري*

لطالما كانت الأسماء الجغرافية والسياسية أداة للهيمنة على الوعي الشعبي وتشكيل سرديات تخدم مصالح القوى المسيطرة، وفي اليمن تبرز تسمية "الجنوب العربي" كأحد أبرز الأمثلة على هذا التلاعب بالهوية الوطنية. هذه التسمية، التي كانت من اختراع بريطانيا خلال فترة احتلالها للجنوب اليمني بين منتصف القرن التاسع عشر وحتى عام 1967، لم تقتصر على تحديد جغرافي فحسب، بل حملت دلالات سياسية واستراتيجية تهدف إلى فصل الجنوب عن الشمال، وضمان السيطرة البريطانية على مضيق باب المندب والموانئ الحيوية.

اليوم، ومع تصاعد الصراعات في اليمن، تصبح السردية الثقافية جزءاً من المواجهة السياسية، فهي الوسيلة التي تحدد هوية الأطراف ومصادر سلطتهم الفكرية والسياسية. ومن هذا المنطلق، فإن تبني المجلس الانتقالي الجنوبي، الحليف للإمارات، تسمية "الجنوب العربي" يوضح أن هذا المصطلح أصبح أداة سياسية، تستثمر في إعادة إنتاج الانقسام التاريخي بين الشمال والجنوب، وإن كان ذلك هذه المرة عبر وكيل إقليمي مثل أبوظبي. وهذا التبني يعكس مشروعاً استعماريًا جديدًا يسعى إلى إعادة صياغة المشهد اليمني وفق مصالح خارجية، بعيداً عن إرادة الشعب اليمني ووحدته الوطنية التي تشكلت في مواجهة الاحتلال البريطاني والعثماني على حد سواء.

وهذه السياسة لا تؤثر فقط على التوازن السياسي، وإنما تمتد لتشويه الهوية الوطنية نفسها، من خلال تعزيز الولاءات الخارجية على حساب الانتماء الوطني، وتحويل الجغرافيا إلى أداة للصراع السياسي بدل أن تكون مساحة حياة مشتركة للشعب اليمني. وفي ظل هذه المعطيات، يصبح استخدام تسمية "الجنوب العربي" مؤشر على مشروع استعماري جديد يسعى لإعادة اليمن إلى دائرة النفوذ الخارجي مستغلاً الانقسامات السياسية ومغيبًا إرادة الوحدة والسيادة الوطنية.

في ضوء ما سبق، يصبح واضحًا أن تبني تسمية "الجنوب العربي" جزء من استراتيجية ممنهجة لتقويض الهوية الوطنية اليمنية. إذ تستخدم القوى الإقليمية المصطلح لإعادة رسم المشهد السياسي بما يخدم مصالحها، من خلال خلق قوى محلية تابعة لها، وفرض سردية جديدة تتناقض مع تاريخ المقاومة والتحرر. وهذه الاستراتيجية تستند إلى استغلال التباينات الاجتماعية والسياسية في الجنوب، وتحويلها إلى أدوات للصراع والهيمنة، بدل أن تكون عوامل للتقارب والوحدة الوطنية.

من ناحية أخرى، يحمل هذا التبني رسائل واضحة للشعب اليمني بأن المشروع الانفصالي المرتبط بالخارج ليس مشروعًا محليًا أو شعبويًا، بل مشروع استعماري حديث، يُدار ويُموّل من قوى إقليمية تسعى إلى استمرار النفوذ والسيطرة. وفي هذا السياق، يظهر تكرار التاريخ الاستعماري في صورة حديثة، إذ يُعاد إنتاج الانقسام بين الشمال والجنوب، ويُستثمر في الوعي الشعبي لإضعاف المقاومة الوطنية وإضعاف الانتماء لوحدة اليمن.

ختامًا، يظل الشعب اليمني وإرثه التحرري، الذي توج بالاستقلال عن الاحتلال البريطاني، الحارس الحقيقي لهويته ووحدته الوطنية. وأي محاولات لفرض سرديات خارجية، أو تبني أسماء ومفاهيم مستوردة، لن تكون إلا محاولة للتراجع عن المكتسبات الوطنية، ولتثبيت نفوذ القوى الإقليمية على حساب سيادة اليمن. ومن هنا يبرز التحدي الأكبر أمام اليمنيين اليوم: مواجهة المشاريع الخارجية، وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة، وإحياء الوعي التاريخي الذي صمد أمام الاستعمار في الماضي، ليبقى اليمن حرًا ومتماسكًا أمام محاولات التفتيت الحديثة.

وللتذكير، فإن دعاة الوطنية في الشمال يتبخرون عندما يتعلق الأمر بخطر فعلي يهدد وحدة الوطن وسلامة أراضيه، ولذلك نرى الخونة من العفافيش وحزب الإصلاح يتجاهلون هذه التسمية ودلالاتها، كما يتجاهلون كل الإساءات الموجهة إلى العلم الوطني وكل رمز يتعلق بالوحدة لأن هذا يتعارض مع مصالحهم المرتبطة بالرياض وأبوظبي، فالوطن عندهم وسيلة للتكسب والإيجار، ولو كانوا حماته ما رفعوا شعار "شكراً سلمان" و"شكراً عيال زايد" رغم علم الجميع بعداوة النظامين لليمن أرضاً وإنساناً.

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب