تقرير أمريكي أكثر واقعية.. الفشل وراء وقف النار في اليمن
علي الدرواني*
بعد إعلان وقف النار في البحر بين صنعاء وواشنطن، ظهرت الكثير من التحليلات، والتقارير، في محاولة لفهم ما حصل، وكيف أوقف ترامب حملته العدوانية، بهذا الشكل، وهو الذي كان يشدد على ما سماه القضاء على الحوثيين، واستخدم عبارات دون سقوف، على رأسها: أبواب الجحيم، والتدمير الكامل، لتتحول إلى عبارات الثناء والإعجاب بقدرة الحوثيين حسب تعبيره، على الصمود، والتأكيد على احترام كلمتهم، واعتماد تعهداتهم في الإيفاء بالتزام وقف النار، وعدم مهاجمة السفن الأمريكية.
كل التقارير السابقة كانت تركز على زيارة ترامب للمنطقة، وبعضها أشار إلى ما وصفه بالضغوط السعودية، لوقف الحملة الأمريكية في اليمن، تمهيدًا لتلك الزيارة.
إلا أن كل التقارير كانت تهمل حقائق ميدانية مهمة، سواء عن قصد أو غير قصد، والاحتمال الأول أرجح، لا سيما في التقارير الصادرة عن جهات تشعر بالعار من الموقف اليمني، أو تلك المعادية لصنعاء، والتي دائمًا ما تقلل من إنجازات القوات المسلحة وتأثيراتها في مسرح العمليات أمام البحرية الأمريكية، ولا تكاد تعترف لصنعاء بفضل.
يمكن استثناء تقارير دولية صادرة عن جهات صينية وروسية، كانت تشير بشكل واضح إلى الفشل الأمريكي، والعمليات اليمنية الفعالة ضد حاملات الطائرات، مستندة إلى الحقائق الميدانية والمعلومات المنشورة.
من أكثر التقارير واقعية عن دوافع ترامب لإعلان وقف النار مع اليمن، هو ذلك التقرير الصادر عن نيويورك تايمز الاثنين، والذي أكد على أن الفشل هو السبب الرئيسي لوقف العدوان الأمريكي على اليمن، وهو فشل حسب التقرير متعدد الابعاد، يبدأ بالاعتماد على خطط سعودية، ويمر بالتنفيذ ضد أهداف صعبة، وينتهي بمواجهة غير متكافئة مع القوات اليمنية من جهة، ومكلفة بشكل هائل مقارنة بالنتائج من جهة أخرى.
هذا التقرير يكتسب أهميته من استناده إلى تصريحات مسؤولين أمريكيين عن مراحل مفصلية في الحملة العدوانية التي أمر بها ترامب ضد اليمن، من أجل دعم كيان العدو الإسرائيلي لمواصلته الإبادة الإجرامية في غزة، فقد أشار إلى تفاصيل اللحظات الأولى لخطة الجنرال كوريلا، والذي "اقترح حملةً مدتها ثمانية إلى عشرة أشهر، تقوم خلالها طائرات سلاح الجو والبحرية بتدمير أنظمة الدفاع الجوي الحوثية، وينفذ بعد ذلك عمليات اغتيال مركزة على غرار العملية الإسرائيلية الأخيرة ضد حزب الله".
إذن، فهي حملة محددة الزمان والمكان والأهداف، لكن ما الذي أوقفها قبل وقتها؟
تضيف نيويورك تايمز، إن ترامب بعد الشهر الأول طالب بتقرير عن الإنجاز الذي تحقق من الحملة، لا سيما بعد أن رأى سقوط سبع طائرات أم كيو ناين، خلال شهر واحد فقط، فجاء الرد من القيادة المركزية بتقديم بيانات تُظهر عدد الذخائر التي أُلقيت، وأشارت الاستخبارات إلى بعض التراجع في القدرات اليمنية، لكنها جادلت بأن الجماعة قادرة على إعادة بناء نفسها بسهولة.
وحسب الصحيفة فإن النتائج لم تكن مُرضية، وفقًا لمسؤولين في الإدارة، حيث لم تُحقق الولايات المتحدة حتى تفوقًا جويًا في اليمن، بل إن ما ظهر بعد 30 يوماً من تصعيد الحملة في اليمن كان انخراطاً عسكرياً أمريكياً آخر باهظ التكلفة وغير حاسم.
والنقطة الحاسمة حسب تقرير نيويورك تايمز، إلى جانب ما سبق، هو أن القوات المسلحة اليمنية كانت لا تزال قادرة على إطلاق النار بنفس الوتيرة، سواء على السفن الأمريكية أو في عمق الكيان الإسرائيلي، وعلى الطائرات المسيرة، بالإضافة الى تعزيز مخابئ الأسلحة تحت الأرض.
تضيف الصحيفة، أن ذلك دفع بمسؤولين في الأمن القومي الأمريكي، لبحث مسارين آخرين، الأول يعتمد على تكثيف الضربات وتمديدها شهرًا إضافيًا، أو مواصلة الضربات مع تحريك المرتزقة اليمنيين للضغط على صنعاء ومواصلة الهجمات بغطاء جوي أمريكي. إلا أن الخيار الثاني لم يتم نظراً لعدم توافق الآراء بين واشنطن والرياض وأبو ظبي، دون أن تذكر مزيدًا من التفاصيل.
حينها، يضيف التقرير، كان ترامب قد أصبح اكبر المتشككين، ولم يتأخر حتى أعلن عن وقف العمليات، بدعوى استسلام الحوثيين.
ويلخص تقرير نيويورك تايمز الأسباب، فيورد الآتي: فقدان التفوق الجوي، والخشية من سقوط طائرات أف 16، وأف 35، والتكاليف الكبيرة مقارنة بالنتائج، والمخاوف من استنزاف الذخيرة الدقيقة والمتطورة المخصصة لمواجهة أكثر أهمية أمام الصين وغيرها، الفشل في تحريك المرتزقة والتوافق مع السعودية والإمارات، ومن أهم الأسباب أيضاً، قدرة اليمن على الصمود والاستمرار في تنفيذ العمليات، والاستفادة من التضاريس اليمنية في تخزين السلاح، ومنصات الإطلاق، مضافاً إليها بطبيعة الحال، التكتيكات غير التقليدية في المواجهة، وإن لم تذكر الصحيفة الأمريكي ذلك.
* المقال نقل من موقع العهد الاخباري ويعبر عن رأي الكاتب